القرآن الكريم بالحرف. وقد بدل الرهبان نقط (الفارقليط) في المطبوعات الأخيرة ب (المعزّى).
قال بعضهم : ولا عجب من هذه التحريفات المتجددة بتجدد الطبعات ، فإنها سجية القوم في كتبهم المقدسة.
سجية تلك فيهم غير محدثة
الثالث ـ قال الإمام ابن القيّم في (جلاء الأفهام) : الفرق بين محمد وأحمد من وجهين :
أحدهما ـ أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد ، فهو دالّ على كثرة حمد الحامدين له ، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه ، و (أحمد) أفعل تفضيل من الحمد ، يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره. فمحمد زيادة حمد في الكمية ، وأحمد زيادة في الكيفية ، فيحمد أكثر حمد ، وأفضل حمد حمده البشر.
والوجه الثاني ـ أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا كما تقدم ، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين ـ وهو محمد ـ كونه محمودا. ودل الاسم الثاني ـ وهو أحمد ـ على كونه أحمد الحامدين لربه ، وهذا هو القياس ، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل ، لا من فعل المفعول ، ذهابا إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدي ونازعهم آخرون وجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول ، لقول العرب : (ما أشغله بالشيء).
إلى أن قال : والمقصود أنه صلىاللهعليهوسلم سمي محمدا وأحمد ، لأنه يحمد أكثر ما يحمد غيره ، وأفضل مما يحمد غيره. فالاسمان واقعان ، على المفعول ، وهذا هو المختار. وذلك أبلغ في مدحه ، وأتم معنى. ولو أريد به اسم الفاعل لسمي (الحمّاد) وهو كثير الحمد ، كما سمي محمدا ، وهو المحمود كثيرا. فإنه صلىاللهعليهوسلم كان أكثر الخلق حمدا لربه ، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل ، لكان الأولى أن يسمى حمّادا ، كما أن اسم أمته الحمّادون. وأيضا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد ، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة ، ويحمده أهل السموات والأرض ، فلكثرة خصائله التي تفوت عدّ العادّين سمي باسمين من أسماء الحمد ، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة. انتهى.