قدرته على استمتاعه بها ، ولا عقيب جماعها ، لأنه قد قضى غرضه منها ، وربما فترت رغبته فيها ، ويزهد في إمساكها لقضاء وطره ، فإذا طلقها في هاتين الحالتين ربما يندم بعد هذا ، مع ما في الطلاق من تطويل العدة ، وعقيب الجماع من بعلها ، لأنه ربما قد اشتمل رحمها على ولد منه ، فلا يريد فراقها. فأما إذا حاضت ، ثم طهرت ، فنفسه تتوق إليها ، لطول عهده بجماعة ، فلا يقدم على طلاقها في هذه الحالة إلا لحاجة إليه. فلم يبح له الشارع أن يطلقها إلا في هذه الحال ، أو في حال استبانة حملها ، لأن إقدامه أيضا على طلاقها في هذه الحال دليل على حاجته إلى الطلاق وقد أكد النبيّ صلىاللهعليهوسلم هذا بمنعه لعبد الله بن عمر أن يطلق في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيه ، بل أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، إن بدا له أن يطلقها فيطلقها. وفي ذلك عدة حكم :
منها ـ أن الطهر المتصل بالحيضة ، هو وهي حكم القرء الواحد ، فإذا طلقها في ذلك الطهر ، فكأنه طلقها في الحيضة ، لاتصاله بها ، وكونه معها ، كالشيء الواحد.
الثانية ـ أنه لو أذن له في طلاقها في ذلك الطهر ، فيصير كأنه راجع لأجل الطلاق ، وهذا ضد مقصود الرجعة. فإن الله تعالى إنما شرعها للإمساك ولمنفعة النكاح ، وعود الفراش ، فلا يكون لأجل الطلاق ، فيكون كأنه راجع ليطلق. وإنما شرعت الرجعة ليمسك. وبهذا بعينه أبطلنا نكاح المحلل ، فإن الله سبحانه وتعالى شرع النكاح للإمساك والمعاشرة ، والمحلل تزوج ليطلق ، فهو مضاد لله تعالى في شرعه ودينه.
الثالثة ـ أنه إذا صبر عليها حتى تحيض ثم تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، زال ما في نفسه من الغضب الحامل له على الطلاق ، وربما صلحت الحال بينهما ، وأقلعت عما يدعوه إلى الطلاق ، فيكون تطويل هذه المدة رحمة به وبها. وإذا كان الشارع ملتفتا إلى مثل هذه الرحمة والشفقة على الزوج ، وشرع الطلاق على هذا الوجه الذي هو أبعد شيء عن الندم ، فكيف يليق بشرعه أن يشرع إبانتها وتحريمها عليه بكلمة واحدة يجمع فيها ما شرعه متفرقا ، بحيث لا يكون له سبيل إليها. وكيف يجتمع في حكمة الشارع ، وحكمة هذا وهذا؟ فهذه الوجوه ونحوها مما بيّن بها الجمهور أن جمع الثلاث غير مشروع ، هي بعينها تعيّن عدم الوقوع ، وأنه إنما يقع المشروع وحده ، وهي الواحدة.