(وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أي : لوجهه خالصا ، وذلك أن يقيموها لا للمشهود له ، ولا للمشهود عليه ، ولا لغرض من الأغراض ، سوى إقامة الحق ، ودفع الظلم ، كقوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النساء : ١٣٥]. انتهى.
وتدل الآية على حظر أخذ الأجرة على أداء الشهادة ، ويؤيده قوله تعالى : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن المشار إليه هو الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ، ولأجل القيام بالقسط ، ويحتمل عوده على جميع ما في الآية.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٣)
(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) قال الزمخشريّ : يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة ، وطريقه الأحسن ، والأبعد من الندم. ويكون المعنى : ومن يتق الله فطلّق للسنّة ، ولم يضارّ المعتدة ، ولم يخرجها من مسكنها ، واحتاط فأشهد ، يجعل الله له مخرجا مما في شأن الأزواج من الغموم ، والوقوع في المضايق ، ويفرج عنه وينفس ، ويعطه الخلاص ، ويرزقه من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه ، إن أوفى المهر وأدّى الحقوق والنفقات ، وقلّ ماله. ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ) يعني : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة. انتهى.
تنبيه :
قال ابن الفرس : قال أكثر المفسرين : معنى الآية في الطلاق أي : من لا يتعدى طلاق السنة إلى طلاق الثلاث يجعل له مخرجا إن ندم في الرجعة. قال : وهذا يستدل به على تحريم جمع الثلاث ؛ وأنها إذا جمعت وقعت ـ نقله في (الإكليل).
وقال ابن القيم في (الإغاثة) : اعلم أنه من اتقى الله في طلاقه ، فطلّق كما أمره الله ورسوله وشرعه له ، أغناه عن الحيل كلها. ولهذا قال تعالى ، بعد أن ذكر حكم الطلاق المشروع (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً). فلو اتقى الله عامة المطلقين لاستغنوا بتقواه عن الآصار والأغلال ، والمكر والاحتيال ، فإن الطلاق الذي شرعه الله سبحانه : أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، ويطلقها واحدة ، ثم يدعها حتى تنقضي