وطاقتكم ومقدرتكم (وَلا تُضآرُّوهُنَ) أي لا تستعملوا معهن الضرار (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) أي في المسكن ببعض الأسباب ، من إنزال من لا يوافقهن ، أو بشغل مكانهن ، أو غير ذلك ، حتى تضطروهن إلى الخروج أو الافتداء.
تنبيه :
قال في (الإكليل) : في الآية وجوب السكنى للمطلقات كلهن ، وللبوائن ، لتقدم سكنى الرجعيات ، ولقوله بعده (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَ) فإنه خاص بالبوائن. وفيه أن الإسكان يعتبر بحال الزوج ، وتحريم المضارة بها ، وإلجائها إلى الخروج. (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) قال ابن جرير أي وإن كان نساؤكم المطلقات أولات حمل ، وكن بائنات منكم ، فأنفقوا عليهن في عدتهن منكم حتى يضعن حملهن.
فعن ابن عباس في الآية قال : هذه المرأة يطلقها زوجها ، فيبتّ طلاقها وهي حامل ، فيأمره الله أن يسكنها ، وينفق عليها حتى تضع ، وإن أرضعت فحتى تفطم ، وإن أبان طلاقها ، وليس بها حبل ، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ، ولا نفقة. وكذلك المرأة يموت عنها زوجها فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا كان ميراث ، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها ، كما قال الله عزوجل : (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) [البقرة : ٢٣٣]. فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من مالها.
ثم قال ابن جرير : وقال آخرون عنى بقوله : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) كل مطلقة ، ملك زوجها رجعتها أو لم يملك. وممن قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
فعن إبراهيم قال : كان عمر وعبد الله يجعلان للمطلقة ثلاثا ، السكنى والنفقة والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمرها أن تعتد في غير بيت زوجها. قال : ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة.
ثم قال ابن جرير : والصواب من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا ، لأن الله جل ثناؤه جعل النفقة بقوله : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَ) للحوامل دون غيرهن من البائنات من أزواجهن ، ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل في الواجب لهن من النفقة على أزواجهن سواء ، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر في هذا الموضع وجه مفهوم ، إذ هن وغيرهن في ذلك سواء.