بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الجن
قال المهايمي : سميت بها لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان ، وتقبيح الكفر ، مع كون أقوالهم أشد تأثيرا في قلوب العامة ، لتعظيمهم إياهم.
وهي مكية. وآيها ثمان وعشرون.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (٢)
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) أي لهذا القرآن الحكيم. والمشهور أن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقد يستعمل إلى الأربعين كالرهط ـ كما في (المجمل) ـ.
قال القاشاني : قد مرّ أن في الوجود نفوسا أرضية قوية ، لا في غلظ النفوس السبعية والبهيمية وكثافتها ، وقلة إدراكها ، ولا على هيئات النفوس الإنسانية واستعداداتها ، ليلزم تعلقها بالأجرام الكثيفة ، الغالب عليها الأرضية ، ولا في صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلويّ ، وتتجرد متعلقة بأجرام عنصرية لطيفة ، غلبت عليها الهوائية أو النارية أو الدخانية ، على اختلاف أحوالها. سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ، ولها علوم وإدراكات من جنس علومنا وإدراكاتنا. ولما كانت قريبة بالطبع إلى الملكوت السماوية ، أمكنها أن تتلقى من عالمها بعض الغيب ، فلا تستبعد أن ترتقي إلى أفق السماء ، فتسترق السمع من كلام الملائكة ، أي النفوس المجردة. ولما كانت أرضية ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية ، تأثرت بتأثير تلك القوى ، فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها ، وإدراك مداها من العلوم. ولا ينكر أن تشتعل أجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك ، أو تنزجر من