على أن يقوّي هؤلاء التسعة عشر على ما لا يقوى عليه مائة ألف ملك أقوياء.
وقال الكعبيّ : المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوّض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعيّن إلى علم الخالق سبحانه. قال : وهذا من المتشابه الذي أمروا بالإيمان به. (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي رسالة النبيّ صلوات الله عليه لإنبائه من وعيد الجاحدين المفسدين ما لديهم مصداقه. واللام متعلقة ب (جَعَلْنا) الثانية.
فإن قيل : كيف يصح جعلهم في نفس الأمر على هذا العدد ، معللا باستيقان أهل الكتاب ، وازدياد المؤمنين ، واستبعاد أهل الشك والنفاق ، وليس إيجادهم تسعة عشر سببا لشيء من ذلك ، وإنما السبب لما ذكر ، هو الإخبار عن عددهم بأنه تسعة عشر؟
والجواب : أن الجعل يطلق على معنيين :
أحدهما ـ جعل الشيء متصفا بصفة في نفس الأمر.
وثانيهما ـ الإخبار باتصافه بها ، ويقال له : الجعل بالقول. أي وما جعلنا عدتهم بالإخبار عنها إلا عددا يقتضي فتنتهم ، لاستيقان أهل الكتاب ... إلخ. أي وقلنا ذلك وأخبرنا به لاستيقان ... إلخ. وعبر عن الإخبار بالجعل ، لمشاكلة قوله (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ ...) إلخ ـ هذا ما قرّره شرّاح القاضي ـ.
(وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) أي تصديقا إلى تصديقهم بالله ورسوله. (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي حتى يخوّفنا بهؤلاء التسعة عشر.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض ، وهم المنافقون ، والسورة مكية ، ولم يكن بمكة نفاق ، وإنما نجم بالمدينة؟
قلت : معناه وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة ، والكافرون بمكة ، ماذا أراد الله بهذا مثلا. وليس في ذلك إلا إخبار بما سيكون ، كسائر الإخبارات بالغيوب. وذلك لا يخالف كون السورة مكية. ويجوز أن يراد بالمرض الشك والارتياب ، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكّين ، وبعضهم قاطعين بالكذب. انتهى.
وقال الرازي : إن قيل : لم سموه مثلا؟