وقد روى عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب في هذه الآية قال : جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إني وأدت بنات لي في الجاهلية. قال : أعتق عن كل واحدة منهن رقبة. قال : يا رسول الله! إني صاحب إبل. قال : فانحر عن كل واحدة منهن بدنة.
وروى الدراميّ (١) في أوائل مسنده أن رجلا أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان. فكنا نقتل الأولاد. وكانت عندي ابنة لي. فلما أجابت ، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها. فدعوتها يوما فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئرا من أهلي غير بعيد فأخذت بيدها فرديتها في البئر ، وكان آخر عهدي بها أن تقول يا أبتاه يا أبتاه. فبكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى وكف دمع عينيه. فقال له رجل من جلساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أحزنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كف. فإنه يسأل عما أهمه. ثم قال له : أعد علي حديثك. فأعاده. فبكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى وكف الدمع من عينيه على لحيته. ثم قال له : إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا ، فاستأنف عملك.
وكان للعرب تفنن في الوأد ، فمنهم من إذا صارت ابنته سداسية يقول لأمها : طيّبيها وزيّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها. وقد حفر لها بئرا في الصحراء. فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها. ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض.
ومنهم من كان إذا قربت امرأته من الوضع ، حفر حفرة لتتمخّض على رأس الحفرة. فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة. وإن ولدت ابنا حبسته. وقد اشتهر صعصعة بن ناجية بن عقال ، جد الفرزدق بن غالب ، بأنه كان ممن فدى الموءودات في الجاهلية ، ونهى عن قتلهن. قيل إنه أحيا ألف موءودة ، وقيل دون ذلك. وقد افتخر الفرزدق بهذا في قوله :
ومنا الذي منع الوائدات |
|
وأحيا الوئيد فلم يوأد |
وفي قوله أيضا :
أنا ابن عقال وابن ليلى وغالب |
|
وفكّاك أغلال الأسير المكفّر |
وكان لنا شيخان ذو القبر منهما |
|
وشيخ أجار الناس من كل مقبر |
على حين تحيى البنات وإذ هم |
|
عكوف على الأصنام حول المدوّر |
أنا ابن الذي ردّ المنية فضله |
|
وما حسب دافعت عنه بمعور |
__________________
(١) أخرجه في مسنده في : ١ ـ باب ما كان عليه الناس قبل مبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الجهل والضلالة.