أبي أحد الغيثين صعصعة الذي |
|
متى تخلف الجوزاء والنجم يمطر |
أجار بنات الوائدين ومن يجر |
|
على القبر ، يعلم أنه غير مخفر |
وفارق ليل من نساء أتت أبى |
|
تعالج ريحا ليلها غير مقمر |
فقالت أجر لي ما ولدت فإنني |
|
أتيتك من هزلى الحمولة مقتر |
رأى الأرض منها راحة فرمى بها |
|
إلى خدد منها وفي شر محفر |
فقال لها نامي فأنت بذمتي |
|
لبنتك جار من أبيها القنوّر |
وروى أبو عبيدة : أن صعصعة ـ هذا ـ وفد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في وفد بني تميم. قال : وكان صعصعة منع الوأد في الجاهلية ، فلم يدع تميما تئد وهو يقدر على ذلك. فجاء الإسلام وقد فدى في بعض الروايات أربعمائة موءودة ، وفي أخرى ثلاثمائة ، فقال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : بأبي أنت وأمي! أوصني. فقال : أوصيك بأمك وأبيك وأختك وأخيك وأدانيك أدانيك ، فقال : زدني. فقال عليه الصلاة والسلام : احفظ ما بين لحييك ورجليك. ثم قال عليه الصلاة والسلام : ما شيء بلغني عنك فعلته؟ فقال : يا رسول الله! رأيت الناس يموجون على غير وجه ولم أدر أين الصواب. غير أني علمت أنهم ليسوا عليه. فرأيتهم يئدون بناتهم ، فعرفت أن ربهم عزوجل لم يأمرهم بذلك. فلم أتركهم. ففديت ما قدرت عليه. ويقال إنه اجتمع جرير والفرزدق يوما عند سليمان بن عبد الملك فافتخرا. فقال الفرزدق : أنا ابن محيي الموتى ، فقال له سليمان : أنت ابن محيي الموتى؟ فقال : إن جدي أحيا الموءودة ، وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢] ، وقد أحيا جدي اثنتين وتسعين موءودة فتبسم سليمان. وقال : إنك مع شعرك لفقيه. نقله المرتضى في (أماليه) وبالجملة ، فكان الوأد عادة من أشنع العوائد في الجاهلية ، مما يدل على نهاية القسوة وتمام الجفاء والغلظة.
قال الإمام : انظر إلى هذه القسوة وغلظ القلب وقتل البنات البريئات بغير ذنب سوى خوف الفقر والعار ، كيف استبدلت بالرحمة والرأفة بعد أن خالط الإسلام قلوب العرب؟ فما أعظم نعمة الإسلام على الإنسانية بأسرها بمحوه هذه العادة القبيحة. انتهى. ومن أثر نعمته أن صار أدباء الصدر الأول يصوغون في مدحهن ما هو أبهى من عقود الجمان ؛ فمن ذلك قول معن بن أوس :
رأيت رجالا يكرهون بناتهم |
|
وفيهن ، لا نكذب ، نساء صوالح |
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى |
|
خوادم لا يمللنه ونوائح |
وقال العلويّ الجمانيّ ، في صديق له ولدت له بنت فسخطها ، شعرا.