بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة التّكاثر
وهي مكية وآيها ثمان.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨)
(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي شغلكم التباهي بالكثرة في المال والولد ونحوهما. فيقول هذا : أنا أكثر منك مالا ، والآخر : أنا أكثر منك ولدا. وهكذا مما يصرف عن الجد في العمل ، ويطفئ نور الاستعداد وصفاء الفطرة والعقل والكمالات المعنوية الباقية. ذهب بكم التفاخر والتباهي بهذه الأمور الفانية ، من كثرة الأموال والأولاد ، وشرف الآباء والأجداد كل مذهب (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى هلكتم ومتم وصرتم من أصحاب القبور ، فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة وما تنبّهتم طول حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم ونجاتكم. وزيارة القبور عبارة عن الموت.
روى الزمخشري شواهد لها. قال الشهاب : وفيها إشارة إلى تحقق البعث. لأن الزائر لا بد من انصرافه عما زاره. ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها : بعثوا ، ورب الكعبة! وقال ابن عبد العزيز : لا بد لمن زار ، أن يرجع إلى جنة أو نار. وسمى بعض البلغاء المقبرة ، دهليز الآخرة (كَلَّا) ردع عن الاشتغال بالتكاثر ، وتوهم أن الفوز بالتفاخر. فإن الفوز بالتناصر على الحق والتحلي بالفضائل (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي مغبة ما أنتم عليه ، في الآخرة ، من وخامة عاقبة الاشتغال بهذه الشهوات السريعة الزوال ، العظيمة الوبال ، لبقاء تبعاتها.