بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة العصر
مكية ، وقيل مدنية ، وآيها ثلاث.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣)
(وَالْعَصْرِ) أي الدهر. أقسم تعالى به لانطوائه على تعاجيب الأمور القارّة والمارّة. ولذا قيل له (أبو العجب). ولأنه يذكر بما فيه من النعم وأضدادها. فينبّه الإنسان على أنه مستعد للخسران والسعادة. وللتنويه به والتعظيم من شأنه ، تعريضا ببراءته مما يضاف إليه من الخسران والذم. كما قيل :
يعيبون الزمان وليس فيه |
|
معيب غير أهل للزمان |
وجوّز أن يراد بالعصر ، الوقت المعروف الذي تجب فيه صلاة العصر.
قال الإمام : كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم. وقد يكون في حديثهم ما لا يليق أو ما يؤذي به بعضهم بعضا. فيتوهم الناس أن الوقت مذموم. فأقسم الله به لينبهك إلى أن الزمان في نفسه ليس مما يذم ويسبّ ، كما اعتاد الناس أن يقولوا (زمان مشؤوم) و (وقت نحس) و (دهر سوء) وما يشبه ذلك. بل هو عادّ للحسنات كما هو عادّ للسيئات. وهو ظرف لشئوون الله الجليلة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع. فكيف يذم في ذاته ، وإنما قد يذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة.
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) أي خسران ، لخسارته رأس ماله؟ الذي هو نور الفطرة والهداية الأصلية ، بإيثار الحياة الدنيا واللذات الفانية والاحتجاب بها وبالدهر ،