قال الإمام : ونكّر الخبر لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد ، لا بأنه لا واحد سواه. فإن الوحدة تكون لكل واحد. تقول (لا أحد في الدار) بمعنى لا واحد من الناس فيها. والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته. فأراد نفي ذلك بأنه أحد. وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس ، وما يعتقده القائلون بالثلاثة ، منهم ومن غيرهم. وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالتنكير (اللهُ الصَّمَدُ) أي الذي يصمد إليه في الحوائج ، ويقصد إليه في الرغائب. إذ ينتهى إليه منتهى السؤدد ، قاله الغزاليّ في (المقصد الأسنى). وهكذا قال ابن جرير : الصمد عند العرب هو السيد الذي يصمد إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمى أشرافها. ومنه قول الشاعر :
ألا بكر النّاعي بخيري بني أسد |
|
بعمرو بن مسعود وبالسّيّد الصّمد |
قال الشهاب : فهو (فعل) بمعنى مفعول. وصمد بمعنى قصد. فيتعدى بنفسه وباللام وإلى. وقال ابن تيمية رحمهالله : وفي الصمد للسلف أقوال متعددة ، قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب. والمشهور منها قولان :
أحدهما ـ أن الصمد هو الذي لا جوف له.
والثاني ـ أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة.
والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
تم توسع رحمهالله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه ، إلى أن قال :
وإنما أدخل اللام في (الصَّمَدُ) ولم يدخلها في (أَحَدٌ) لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدا في الإثبات مفردا غير مضاف. ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده. وإنما يستعمل في غير الله في النفي وفي الإضافة وفي العدد المطلق. وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين ، كما تقدم ، فلم يقل صمد بل قال : (اللهُ الصَّمَدُ) فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه. فإنه المستوجب لغايته على الكمال. والمخلوق ، وإن كان صمدا من بعض الوجوه ، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه. فإنه يقبل التفرق والتجزئة. وهو أيضا محتاج إلى غيره. فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه ، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء ، إلا الله. وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن