كان مفتقرا إليه ، وهو سبحانه صمد. والصمد الغني عما سواه ، فالمركب لا يكون صمدا. انتهى.
وقال الرازي : قد استدل قوم من جهال المشبهة بهذه الآية في أنه تعالى جسم ، وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحدا ينافي كونه جسما. فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى ، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام المتضاغطة. وتعالى الله عن ذلك. فإذن يجب أن يحمل ذلك على مجازه. وذلك لأن الجسم الذي يكون كذلك ، يكون عديم الانفعال والتأثر عن الغير ، وذلك إشارة إلى كونه سبحانه واجبا لذاته ممتنع التغير في وجوده وبقائه وجميع صفاته. انتهى.
وأقول : التصحيح في تأويل الصمد ما ذكرناه أولا. وهو ما حكاه ابن جرير وغيره عن العرب في معناه. وإذا تحقق هذا ، فلا يعول على هذا الثاني ولا لوازمه.
الثالثة ـ قال ابن تيمية : كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب ، يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات. في شيء من صفات الكمال الثابتة له. وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله. وهذه السورة دلت على النوعين. فقوله : (أَحَدٌ) من قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ينفي المماثلة والمشاركة. وقوله : (صمد) يتضمن جميع صفات الكمال. فالنقائص جنسها منفيّ عن الله تعالى. وكل ما اختص به المخلوق فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها. بخلاف ما يوصف به الرب. ويوصف العبد بما يليق به مثل العلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك. فإن هذه ليست نقائص بل ما ثبت لله من هذه المعاني ، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات ، فضلا عن أن يماثله فيه. بل ما خلقه الله في الجنة من المآكل والمشارب والملابس لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم ، وكلاهما مخلوق. فالخالق تعالى أبعد في مماثلة المخلوقات من المخلوقات إلى المخلوق. وقد سمى الله نفسه عليما حليما رؤوفا رحيما سميعا بصيرا عزيزا ملكا جبارا متكبرا ، وسمى أيضا بعض مخلوقاته بهذه الأسماء. مع العلم أنه ليس المسمى بهذه الأسماء من المخلوقين مماثلا للخالق جل جلاله في شيء من الأشياء.
الرابعة ـ قدمنا ما ورد في الحديث من أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن.
وقد ذكروا في ذلك وجوها ـ منها ما قاله أبو العباس بن سريج : أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام. ثلث منها الأحكام ، وثلث منها وعد ووعيد ، وثلث منها الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات.