أهل مكة سألوه آية ، فأراهم صلىاللهعليهوسلم انشقاق القمر حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته ، فلما أراهم أعرضوا وكذبوا ، وقالوا هذا سحر مستمر ، سحرنا محمد. ثم روى ذلك عن أنس وابن مسعود وابن عباس ، وغير واحد من التابعين.
وقال القاضي عياض في (الشفا) أخبر تعالى بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي ، وإعراض الكفرة عن آياته. وأجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه ، ثم سرد الآثار في ذلك.
وزعم ابن كثير أن أحاديثه متواترة ، إلا أن الشهاب نقل عن الإمام الخطابيّ أن معجزاته صلىاللهعليهوسلم ، غير القرآن ، لم تتواتر. والحكمة فيه أنها لو تواترت كانت عامة ، والمعجزة إذا عمت أهلك الله من كذّبها ، كما جرت به العادة الإلهية. والنبيّ صلىاللهعليهوسلم بعث رحمة ، وأمّن الله أمته من عذاب الاستئصال.
ثم قال : وسبب تعرضهم للتواتر طعن بعض الملاحدة بأن القمر يشاهده كل أحد ، فلو انقسم قطعتين تواتر وشاع في جميع الناس ، ولم يخف على أحد. والطبائع حريصة على إشاعة ما لم يعهد مثله ، ولا أغرب من هذا. مع أن الملازمة غير لازمة ، لأنه في الليل ، وزمان الغفلة. ولا يلزم امتداده. ولا أن يرى إذ ذاك في جميع الآفاق ، لاختلاف المطالع. انتهى.
وقد ذكر ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث) أن الذي طعن في تلك الآثار المروية عن ابن مسعود هو النظّام ، إلا أنه لم ينقل تأويله للآية على رأيه ، ولعله هو القول الثاني الذي حكاه الزمخشريّ والبيضاويّ ، ورواه أبو السعود عن عثمان بن عطاء عن أبيه أن المعنى : وسينشق القمر ، يعني يوم القيامة وإذا انكدرت النجوم وانتثرت. والمراد بالآية إما القرآن أو ما يقترحونه لو أجيبوا إلى طلبه.
ومعنى (مُسْتَمِرٌّ) دائم مطرد ، أو محكم قويّ ، من (مررت الحبل) إذا أحكمت فتله. أو مارّ ذاهب لا يبقى ، تعليلا لأنفسهم بالأماني الفارغة. أو منفور عنه لشدة مرارته مجازا.
وجملة (وإن يروا) مستأنفة أو حالية.
قال الشهاب : ولو كانت هذه الجملة حالية ، والمعنى. أن الساعة اقتربت ، وانشق القمر فيها دنا زمانه ، وظهرت آثاره ، والحال أنهم مصرون على العناد ـ كان منتظما أتم انتظام ، ولا ضير فيه سوى مخالفته للمنقول عن السلف في تفسيرها ، فتأمل. انتهى.
أقول ولي هاهنا كلمة لا بد من التنبيه عليها ، وهي أن الرمي بالإلحاد لمنكر