حديث غير مجمع على تواتره ، جناية كبرى ، وزلة عظمى. فإن باب التفكير والتضليل ، ليس بالأمر القليل. ولأجله صنف حجة الإسلام الغزالي كتابه (فيصل التفرقة) ودمغ بحججه أولئك المتعصبين الذين سهل عليهم الرمي لمن خالفهم بالزندقة. ولعمر الحق إن هذا مما فرّق الكلمة ، ونفرّ حملة العلم عن تعرف المشارب والآراء ، حتى أصبح باب التوسع في العلم مرتجا ، ومحيطة بعد مده منحسرا ، إذ هجرت كتب الفرق الأخرى بل أحرقت ، وأهين من يتأثلها ، ورمى بالابتداع أو التزندق ، كما يمر كثير من مثل هذا بمطالع كتب التاريخ وطبقات الرجال ، فلا جرم نسيت الأقوال الباقية ، وعدت من الشاذ غير المقبول. وإذا ألصق اسم الإلحاد بقائلها فماذا يكون حالها؟ وهذا ، كما لا يخفاك ، حيف على قواعد العلم ، وغل للأفكار. نعم! تفلت منهم علم الأصول ، فلم تزل الأقوال الغريبة تتراءى على صفحاته ، وإن كان مما يغمز كثير منها ، إلا أنها سارت تلج آذانهم ، ويحتج بها عليهم. وقد تنبه كثير من المحققين لما ذكرناه ، وأشاروا له في مواضع ، فقرروا في كتب العقائد أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة.
وقال العلامة الفناريّ في (فصول البدائع) : ولا يضلل جاحد الآحاد.
وقال الإمام ابن تيمية الصواب أن من رد الخبر الصحيح ، كما كانت الصحابة ترده ، لاعتقاد غلط الناقل أو كذبه ، لاعتقاد الراد أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا ، فإن هذا لا يكفر ولا يفسق ، وإن لم يكن اعتقاده مطابقا. فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث. انتهى.
وذكر الغزاليّ في (الإحياء) في كتاب آداب تلاوة القرآن في الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة ؛ أن من أركانها التخلي عن موانع الفهم. قال : فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم ، فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن. وحجب الفهم أربعة. إلى أن قال :
وثانيها ـ أن يكون مقلدا لمذهب سمعه بالتقليد ، وجمد عليه ، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة. فهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه ، فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده ، فصار نظره موقوفا على مسموعه ، فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه ، حمل عليه شيطان التقليد حملة ، وقال : كيف يخطر هذا ببالك ، وهو خلاف معتقد آبائك؟ فيرى أن ذلك غرور الشيطان فيتباعد منه ، ويحترز عن مثله. ثم قال :