الضرر بحسب قصد المكره وإرادته الحتمية متوجّه نحو الغير. والمكره وإن كان مباشراً للإضرار إلّا أنّه ضعيف لا ينسب إليه الإضرار حتى يقال إنّه أضر بالغير حتى لا يتضرّر نفسه». (١)
وقد أفاد قريباً من ذلك في الفرائد. (٢)
وما ذكره ممنوع صغرى وكبرى.
أمّا الأُولى : فلأنّ المعروف عندهم أنّ المباشر أقوى من السبب الذي هو الأمر. والضرر يسند إلى المباشر حقيقة كما ينسب إلى الأمر كذلك. وما ذكره من أنّ الضرر إذا كان متوجّهاً إلى الغير أوّلاً وبالذات لا يجب دفعه عن الغير بتحمّله إنّما يصحّ إذا كانت العوامل الخارجية علّة تامّة لتوجّه الضرر إلى الغير ويعد عمل المتحمل مانعاً عن التوجّه ، بحيث لولاه لتوجّه الضرر إلى الغير قطعاً كما هو الحال في مثل السيل الجارف فلولا الدفع لدخل دار الغير. وهذا بخلاف إرادة المكرِه إذ ليس إلّا داعياً وجزء علّة ، ولو لا مثول المأمور بين يديه وإطاعته أمره لكانت إرادته قاصرة عن إدخال الضرر عليه ، وليس امتثاله وطاعة أمر الآمر إلّا إدخالاً للضرر على الغير ، وتركه تركاً له. وليس الترك مانعاً عن دخوله كما هو الحال في العلل الطبيعية.
وأمّا الكبرى ، فلأنّا لا نسلّم أنّ الإكراه والاضطرار يسوغان كل حرام سوى النفوس المحترمة ، فلو أمره الوالي بهدم بيوت الناس واعتقالهم وأوعده بالضرب والشتم إذا ترك ، فلا يجوز الإقدام على الهدم والاعتقال وإن ترتّب عليه ما أوعد به. فغاية ما يمكن أن يقال : إنّ دليل الاكراه والاضطرار حاكم على الأحكام الوضعية كلزوم البيع والطلاق. وأمّا الأحكام التكليفية فالحق أن يلاحظ فيها الأهمّ فالأهم كما هو الحال في تعارض الضررين كما سيوافيك.
__________________
(١) المكاسب ، ص ٥٨ من طبعة زين العابدين.
(٢) الفرائد ، ص ٣١٦.