التنبيه التاسع :
فيما إذا استلزم تصرّف المالك تضرّر الجار
الفرق بين هذا البحث وما تقدّم في التنبيهين الأخيرين واضح ، فإنّ ملاك البحث فيما سبق هو تبيين حكم الضرر المتحقّق في الخارج ، سواء تحقّق فيه باختيار المكلّف أو لا ، بخلاف المقام ، فإنّ محوره هو تبيين حكم العمل الذي يستلزم الإضرار بالغير في المستقبل بحيث لو لا العمل لما كان من الضرر عين ولا أثر.
قال الشيخ الأعظم : «إذا استلزم تصرّف المالك في ملكه تضرّر جاره ، فهل يجوز أم لا؟ المشهور على الجواز ، قال الشيخ في المبسوط في باب إحياء الموات : إن حفر رجل بئراً في داره وأراد جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب هذه البئر ، لم يمنع منه وإن أدى ذلك إلى تغيّر ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقربه من الكنيف والبالوعة ، لأنّ له أن يتصرّف في ملكه بلا خلاف». ثمّ نقل عن السرائر في باب حريم الحقوق ، والقواعد والدروس كلمات من مختلف الأبواب كلّها تتفق على أنّ للمالك التصرّف في ملكه وإن أدّى إلى نقص ماء البئر الأُولى. (١)
أقول : الظاهر من المشهور في نظائر المقام ـ مثل ما إذا أعدّ داره السكنية خاناً أو اصطبلاً أو طاحوناً أو حانوت حدّاد ، أو قصّار على خلاف العادة ـ هو الجواز قائلين بأنّه لا حريم في الأملاك وأنّ كل واحد يتصرّف في ملكه على العادة كيف شاء ، ولا ضمان وإن أفضى إلى التلف. إلّا أن يتعدّى ، ومثله ما إذا كان يدق في داره دقاً عنيفاً يزعج به الجار ، أو حبس الماء في ملكه بحيث ينشر النداوة إلى
__________________
(١) رسالة قاعدة «لا ضرر» الملحقة بالمكاسب ، ص ٣٧٥.