الأمر الثاني : هل الحديث مذيّل بكلمتي «في الإسلام» أو «على مؤمن» أو لا؟
قد وردت لفظة «في الإسلام» في مرسلة الصدوق (١) : كما وردت مرسلة أيضاً في نهاية ابن الأثير ومجمع البحرين والكتب الاستدلاليّة (٢) ، ولا عبرة بالمراسيل إلّا مرسلة الصدوق (٣) ، لأنّه عبر بقوله : مع قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «لا ضرر ولا ضرر في الإسلام»
__________________
(١) هذه هي المرسلة المشهورة التي وردت في كتابه «من لا يحضره الفقيه» وهناك مرسلة أُخرى نقلها في كتابه الآخر «معاني الأخبار» كما مرّ سابقاً. لاحظ ص ١٧ من هذا الكتاب.
(٢) مثل كتاب الخلاف للشيخ الطّوسي وتذكرة الفقهاء للعلّامة الحلّي. لاحظ ص ١٨ من هذا الكتاب.
(٣) هذا هو المشهور بين الأصحاب في اعتبار مراسيل الصدوق مسانيد ـ إذا كانت بهذا التعبير ـ إلّا أنّ سماحة المحقّق الرّاحل السيّد الخوئي ـ قده ـ قد عدل عن هذا المبنى بقوله في مصباح الأُصول ج ٢ ، ص ٥١٩ و ٥٢٠ : «فتعبير الصدوق (رضي الله عنه) في الفقيه بقوله قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدلّ على أنّه ثبت عنده صدور هذا القول منه صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق صحيح ، وإلّا لم يعبّر بمثل هذا التعبير ، فيعامل مع هذا النحو من المراسيل معاملة المسانيد. هذا ما ذكرناه في الدورة السابقة ، لكن الانصاف عدم حجية مثل هذه المرسلة أيضاً ، لأنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النحو من التعبير صحّة الخبر عند الصدوق. وأمّا صحّته عندنا فلم تثبت ، لاختلاف المباني في حجية الخبر».
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) وإن ضمن صحّة جميع ما رواه في الفقيه عنده بقوله : «إنّي لا أذكر في هذا الكتاب إلّا ما هو حجّة عندي» ، إلّا انّنا لا نعتبر جميع مراسيله مسانيد ، لأنّ مراسيله على نوعين :
أحدهما : ما ينقله بقوله : «روى» ونحوه. وثانيهما : ما يعبّر عنه بقوله : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو «قال الصادق (عليهالسلام)» مثلاً. ولا شكّ في أنّ اختلاف التعبير ينبئ عن اختلاف في كيفية المنقول ، فلو كان حجّة ظنيّة مثل خبر الواحد يعبّر عنها بتعبير النوع الأوّل. وإن كانت قطعيّة مثل الخبر المتواتر أو المستفيض المفيد للاطمئنان يعبّر عنها بالنوع الثاني. وكلام المحقّق الخوئي (قدسسره) صحيح بالنسبة إلى النوع الأوّل. وأمّا بالنسبة إلى النوع الثاني كمثل ما نحن فيه فليس بتام.
وثانياً : إذا صحّ هذا العدول يبقى كثير من المسائل الفقهيّة بلا حجّة ، بل لا يبقى مجال لحجيّة أقوال المشايخ في توثيق الرّجال. إذ كلّ شيخ له مبناه الخاص في حدود حجيّة خبر الثقة أو العادل ، فيصبح قسم من مسائل الفقه جلّها بلا حجّة وبرهان. وعليه فلا محيص من اعتبار مرسلات الصدوق إذا كانت من النوع الثاني.