الأمر الرابع : في مفاد الهيئة التركيبية :
قد اختلفت كلماتهم في بيان مفاد الحديث على وجوه
أربعة أو خمسة : (١)
الأوّل : أنّ المراد نفي الأحكام الضرريّة :
ذهب الشيخ الأعظم إلى أنّ مفاد الهيئة هو نفي الأحكام الشرعية الضررية وأنّها غير مجعولة. والمراد نفي الحكم الناشئ منه الضرر فيكون الضرر عنواناً للحكم لكونه معلولاً له في مقام الامتثال ، فكل حكم موجب لوقوع العبد المطيع في الضرر ، فهو مرتفع في عالم التشريع.
قال (قدسسره) في الفرائد : «إنّ المعنى بعد تعذّر إرادة الحقيقة ، عدم تشريع الشارع حكماً يلزم منه ضرر على أحد ، تكليفياً كان أو وضعياً. فلزوم البيع مع الغبن يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي بالخبر. وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك. وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلّا بثمن كثير ، وكذا سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه وإباحته له من دون استئذان من الأنصاري. وكذلك حرمة الترافع إلى حكّام الجور إذا توقف أخذ الحقّ عليه. ومنه براءة ذمة الضار عن تدارك ما أدخله من الضرر إذ كما أنّ تشريع حكم يحدث معه ضرر ، منفي بالخبر ، كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث. بل يجب أن يكون الحكم المشروع في تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كأن لم يحدث». (٢)
وقال (قدسسره) في الرسالة المطبوعة في ملحقات المكاسب : «الثالث : أن يراد به نفي الحكم الشرعي الذي هو ضرر على العباد ، وأنّه ليس في الإسلام مجعول
__________________
(١) تشترك ثلاثة منها في كون النفي باقياً على معناه بخلاف الأخيرين فإنّه فيهما بمعنى النهي. نعم النفي في الثلاثة الأولى على الحقيقة الادعائية كما ستعرف.
(٢) فرائد الأُصول ، ص ٣١٤ ، من طبعة رحمة الله.