لا يخفى وحدة النظريتين جوهراً (١) ، وإن اختلفتا تقريراً وصورة. ونتيجتهما واحدة وهي تحديد الأحكام الشرعية بنفي شمولها لحالة الضرر عبادياً أو معاملياً ، إلّا أنّ طريق الاستفادة مختلفة ، فذهب الشيخ إلى أنّ المنفي ابتداءً أوّلاً وبالذات هو الحكم ، إمّا من باب المجاز في الكلمة حيث أطلق المسبب وأُريد السبب (الحكم) ، أو من باب الاضمار بتقدير كلمة «الحكم». وبما أنّ هذا الأُسلوب لا يوافق البلاغة بل يوجب خروج الكلام عن طورها كما حرّر في محلّه ، سلك المحقق الخراساني ـ للوصول إلى مقصد الشيخ ـ طريقاً آخر وهو نفي الموضوع وإرادة نفي الحكم كما في «يا أشباه الرجال ولا رجال» ، فانّ حقيقة الرجوليّة متمثّلة في البسالة والشجاعة ، ومن فقدهما ، فقد حقيقتها ، فيصح أن يقال : «لا رجال». ومثله المقام ، لأنّ منشأ الضرر هو الحكم والتشريع فصحّ نفي الضرر بالحقيقة الادّعائية لأجل نفي منشئه وأساسه ، وهو الحكم. وعلى كل تقدير فالنتيجة واحدة ، وإن كان طريق الوصول إليها مختلفاً.
تحليل نظرية المحقّق الخراساني (قدسسره):
يلاحظ عليه : أنّه إنّما يصحّ فيما إذا كان الموضوع المنفي ذا أثر شرعي كالشك والربا. وأمّا المقام ، أعني الضرر ، فليس كذلك إذ ليس الضرر بما هو هو
__________________
(١) هذا. ولكن بعض المحقّقين يرى فرقاً بين النظريتين بحسب الماهية والآثار فقد جاء في كتاب القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي ج ١ ص ١٨١ و ١٨٢ ما هذا نصّه :
«وخلاصة الكلام أنّه تظهر الثمرة بين القولين أي : الثاني (نظريّة المحقّق الخراساني) والثالث (نظريّة الشيخ الأنصاري) في كل مورد لا يكون موضوع الحكم ضرريّاً ولكن نفس الحكم يكون ضرريّاً (وبعبارة أُخرى) يكون الضرر مسبّباً عن نفس الحكم كما ربّما تكون المعاملة الغبنيّة كذلك ، فانّ الضرر يأتي من قبل لزوم المعاملة لا من نفس المعاملة ، واللّزوم حكم شرعي (ففي جميع) هذه الموارد بناءً على القول الثاني لا حكومة لقاعدة لا ضرر على الأدلّة الأوّليّة بخلاف القول الثالث فإنّها بناءً عليه تكون حاكمة عليها (فظهر) الفرق بين القولين بحسب الماهية والآثار.