الثالث : أنّ المنفي هو الضرر غير المتدارك :
ذهب بعض الفحول (١) إلى أنّ المراد نفي الضرر المجرّد عن التدارك ، فكما أنّ ما يحصل بازائه نفع لا يسمّى ضرراً ، كدفع مال بازاء عوض مساو له أو زائد عليه ، كذلك الضرر المقرون بحكم الشارع بلزوم تداركه فانّه نازل منزلة عدم الضرر وإن لم يسلب عنه مفهوم الضرر بمجرد حكم الشارع بالتدارك. فالمراد نفي وجود الضرر المجرد عن التدارك. فاتلاف المال بلا تدارك ، ضرر على صاحبه ، فهو منفي. فإذا وجد في الخارج فلا بد أن يكون مقروناً بلزوم التدارك. وكذلك تمليك الجاهل بالغبن ، ماله بازاء مادون قيمته من الثمن ، ضرر عليه ، فلا يوجد في الخارج إلّا مقروناً بالخيار. (٢)
تحليل هذه النظريّة :
لما كانت القاعدة ناظرة إلى الخارج بشهادة قضيّة سمرة ، وكان الخارج مليئاً بالضّرر ، فلا يصحّ نفيه.
إذن ، فتدارك مثل هذا لا يكون بالجعل والتشريع بل بالعمل الخارجي فاتلاف مال الغير ضرر خارجي وتداركه بدفع المثل أو القيمة ، لا الحكم بأنّه يجب عليه دفع أحد الأمرين. وهذا ما أشار إليه الشيخ الأعظم في رسالته بقوله : «إنّ الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرّد حكم الشارع بلزوم تداركه». والحاصل أنّ الضرر إن اتّفق تداركه ، يمكن تنزيله منزلة ما لم يوجد ، وأمّا إذا لم يتعقّبه فلا وجه
__________________
(١) المقصود من بعض الفحول هو : الفاضل التّوني (رضي الله عنه). راجع مباحث الحُجج والأُصول العمليّة ج ٢ ص ٤٦٠ تقريرات الشهيد السيد محمّد باقر الصدر ، بقلم السيد محمود الهاشمي.
(٢) لاحظ رسالة لا ضرر للشيخ الأعظم الأنصاري المطبوعة في ملحقات المكاسب ، ص ٣٧٢.