تحليل نظرية السيّد الأُستاذ :
لا يخفى أنّ في ما ذكره (قدسسره) نظر ، من جهات :
أمّا أوّلاً : فإنّ منصب الحكم وإن كان لا ينفك عن نصب وعزل وأمر ونهي مع وجوب طاعة الناس لما يصدر عنه ، إلّا أنّ الأوامر المناسبة لذاك المنصب هي الأوامر التي تصدر بصورة جزئية ولا تدخل تحت ضابطة ، وتختلف صورها باختلاف الظروف ، كعزل وال ونصب آخر مكانه ، وما يرجع إلى كيفيات القتال ، وحبس المتّهم أو إطلاقه ، وعقد اتّفاقيّة مع قوم أو نقضها ، وكتقسيم أراضي بني النضير بين المهاجرين ، إلى غير ذلك من الأُمور التي يلزم تنفيذها حفظاً للأحكام الكلّية الإلهيّة وصيانة لها. وبما أنّ تلك الأحكام المزبورة لا تدخل تحت ضابطة خاصّة ، وربّما تقتضي المصلحة الأمر بالشيء وأُخرى النهي عنه ، وقد جاء الوحي الإلهي ملزماً بتنفيذ ما أتى الرسول به وما نهى عنه قائلاً : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر / ٧) ، فالمولى سبحانه فوّض حكم تلك الموارد الجزئية إلى ولي الأمر لا بصورة فوضوية بل في إطار مصلحة الأُمّة مع عدم مخالفة ما يأمر وينهى للأحكام الكليّة الشرعية. وقوله سبحانه : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب / ٣٦) ، راجع إلى القضاء في هذه الموارد.
وأمّا الأحكام الكلية ، كالنهي عن الضرر والضرار ، والحرج والمشقّة ، التي لا تختصّ بمكان دون مكان ولا زمان دون زمان ، حيث إنّ الاضرار قبيح والإيقاع في الحرج لا يوافق الفطرة ، ففي مثلها يكون الحكم إلهياً ناشئاً من ملاحظة المصالح والمفاسد الكلية دون الوقتية والزمنية ، لا حكماً سلطانياً صادراً عن المنصب الموهوب للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.