بيان المختار في تفسير القاعدة :
إنّ المختار في تفسير القاعدة هو كون النفي بمعناه لا بمعنى النهي ، وبذلك يفترق عن النظريتين الأخيرتين ، وأنّ مصدر الضرر وفاعله هو الناس ، بعضهم ببعض لا الشارع ولا تكاليفه ، وبذلك يفترق عن النظريات الثلاث الأُول.
والغاية من قاعدة نفي الضرر ، الأخبار ـ بعد وجوده في المجتمع وجداناً ـ عن عدم إمضائه تكليفاً ولا وضعاً. ومعناه الابتدائي هو الاخبار عن عدم الضرر في الخارج ولكنّه ليس بمراد جداً بل هو كناية عن عدم إمضائه له وضعاً وتكليفاً ، غير أنّ المصحح لهذا الاخبار (غير المطابق للخارج) هو خلو صفحة التشريع عن الحكم الضرري تكليفاً ووضعاً. فهو إمّا حرام شرعاً أو غير جائز وضعاً ، ولو لا خلو صفحته عن مثل ذاك الحكم ، لما جاز له الاخبار عن عدم الضرر في الخارج.
توضيحه : أنّك قد عرفت أنّ المتبادر من هذه الصيغة هو نفي المتعلّق ، وأنّ استعماله في النهي يحتاج إلى قرينة. وبما أنّ مورد القاعدة تجاوز سمرة حقوق الأنصاري وعدوانه عليه ، يكون الضرر المنفي هو الضرر الوارد من بعض الناس إلى بعضهم الآخر. وبما أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم خاطب سمرة بقوله : «إنّك رجل مضار» أو «ما أراك يا سمرة إلّا مضاراً» وقال : «لا ضرر ولا ضرار» ، يكون هذا قرينة على أنّ المنفي في لسان الشارع مثل هذا الضرر ، لا الضرر الحاصل من حكم الشارع كإيجاب الوضوء والحج على المريض.
وبما أنّ الاخبار عن عدمهما مع وجودهما في المجتمع ممّا لا يجتمعان ، يكون الاخبار عن عدمهما بهدف تفهيم أنّ الضرر ممنوع شرعاً وقانوناً ، وغير ممضى عند الشارع تكليفاً ووضعاً.