وهذه الكلمة الأخيرة «وتحريم ما عداها» تكشف عن أعظم المصائب على الإسلام ، حيث إنّه قد مضى من الإسلام ما يقرب من سبعة قرون ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصي عددهم إلّا ربّهم ، ولم يسمع أحد من أهل القرنين الأوّلين اسم المذاهب الأربعة أبداً ، ثمّ فيما بعد القرنين كان المسلمون بالنّسبة إلى الأحكام الفرعيّة في غاية من السّعة والحريّة ، وكان عاميّهم يقلّد من اعتمد عليه من المجتهدين وكان المجتهدون يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنّة على طبق الموازين المقرّرة عندهم في العمل بالسنّة النبويّة.
فأيّ شيء أوجب في هذا التاريخ على عامة المسلمين «عاميّهم ومجتهدهم» أن لا يخرج أحد في الأحكام الشرعيّة عن حدّ تقليد الأئمّة الأربعة ، وبأيّ دليل شرعيّ صار اتّباع أحد المذاهب الأربعة واجباً تخييريّاً ، والرّجوع إلى ما ورائها حراماً وإثماً ، مع علمنا بأحوال جميع المذاهب من بدئها وكيفيّة انتشارها وتأثير العوامل في تقدّم بعضها على غيرها بالقهر والغلبة من الدّولة والحكومة كما أفصح عن بعض ذلك ما ذكره ابن الفوطيّ في «الحوادث الجامعة ص (٢١٦) في وقائع سنة (٦٤٥)» يعني قبل انقراض بني العبّاس بإحدى عشر سنة في أيام «المستعصم» الّذي قتله «هولاكو» سنة (٦٥٦) فلاحظ ذلك الكتاب (١).
هذا بالنسبة إلى أهل السنّة ، وأمّا الشّيعة ، فتختلف عنهم في الحاجة إلى الاجتهاد بعد رحيل النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك لأمرين :
الأوّل : إنّ النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان خاتم النبيّين وكتابه خاتم الكتب السّماويّة وبموته انقطع الوحي وخبر السّماء عن الأرض ، إلّا أنّ العترة الطاهرة
__________________
(١) راجع «تاريخ حصر الاجتهاد» للعلّامة الطهراني : ١٠٤ و ١٠٥.