وهنا يسوق الله ـ تعالى ـ ما يبطل معاذيرهم ، بإثبات أن البشير والنذير قد جاءهم فقال ـ تعالى ـ : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ).
والفاء هنا للافصاح عن كلام مقدر قبلها. والتقدير. لا تعتذروا بقولكم ما جاءنا من بشير ولا نذير ، فقد جاءكم رسولنا الذي يبشركم بالخير إن آمنتم وينذركم بسوء المصير إذا ما بقيتم على كفركم. والتنكير هنا في قوله : (بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) للتعظيم من شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي هو خاتم النبيين ، والذي أرسله الله ـ تعالى ـ رحمة للعالمين.
وقوله : (بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) وإن كانا وصفين للرسول صلىاللهعليهوسلم إلا أن ثانيهما قد عطف على أولهما لتغايرهما في المعنى ، لأن التبشير عمل يختلف عن الإنذار ، وكلاهما من وظائف النبوة.
وقوله ـ تعالى ـ (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل قصد به شمول قدرة الله وأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء. أى : والله على كل شيء قدير ، فلا يعجزه أن يرسل رسله تترى ، كما لا يعجزه أيضا أن يرسلهم على فترات متباعدة.
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت سمو الرسالة المحمدية وعظمتها ، وأنها جاءت والناس في أشد الحاجة إليها ، وأنه لا عذر لأهل الكتاب في عدم الاستجابة لها بعد أن بلغتهم ، وبشرتهم بالخير إن آمنوا وأطاعوا ، وبالعذاب الأليم إن استمروا على كفرهم وضلالهم.
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ جانبا من رذائل أهل الكتاب ، ومن أقوالهم الباطلة في حق الرسول الذي أرسله الله ـ تعالى ـ لهدايتهم وسعادتهم وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
بعد كل ذلك ساق ـ سبحانه ـ جانبا مما حدث بين موسى ـ عليهالسلام ـ وبين قومه بنى إسرائيل ، ومما لقيه منهم من سفاهة وجبن وتخاذل وعصيان. إذ في ذلك تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما شاهده منهم من عناد وجحود. استمع إلى القرآن وهو يحكى بعض قصص بنى إسرائيل مع نبيهم موسى فيقول :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ