يشجعانهم على قتالهم. وقراءة من قرأ : (يَخافُونَ) ـ يضم الياء ـ شاهدة له. وكذلك. أنعم الله عليهما» (١).
والذي نراه أن الرأى الأول أرجح وهو أن الرجلين من بنى إسرائيل ، وأن قوله ـ تعالى ـ (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) صفتان للرجلين وأن مفعول يخافون محذوف للعلم به وهو الله ـ تعالى ـ أى : يخافون الله ويخشونه لأن هذا هو الظاهر من معنى الآية ، وهو الذي صدر به المفسرون تفسيرهم للآية ، ولأنه لم يرد نص يعتمد عليه في أن أحد الجبارين قد آمن وحرض بنى إسرائيل على قتال قومه ، بينما وردت الآثار في بيان اسمى الرجلين وأنهما كانا من الاثنى عشر نقيبا ـ كما سبق أن ذكرنا ـ وقوله ـ تعالى ـ (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) تشجيع من الرجلين لقومهما ليزيلا عنهم الخوف من قتال الجبارين.
أى : قال الرجلان اللذان يخافان الله لقومهما : ادخلوا على أعدائكم باب مدينتهم وفاجئوهم بسيوفكم ، وباغتوهم بقتالكم إياهم ، فإذا فعلتم ذلك أحرزتم النصر عليهم ، وأدركتم الفوز ، فإنه «ما غزى قوم في عقر دارهم إلا ذلوا».
قال صاحب الكشاف : فان قلت : من أين علما أنهم غالبون؟ قلت : من جهة إخبار موسى بذلك. ومن جهة قوله ـ تعالى ـ (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ). وقيل : من جهة غلبة الظن وما تبينا من عادة الله في نصرة رسله ، وما عهدا من صنع الله لموسى في قهر أعدائه ، وما عرفا من حال الجبابرة» (٢).
وقوله ـ تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) دعوة من الرجلين المؤمنين لقومها ، بأن يكلوا أمورهم إلى خالقهم بعد مباشرة الأسباب ، وأن يعقدوا عزمهم على دخول الباب على أعدائهم ، إن كانوا مؤمنين حقا ، فإن النصر يحتاج إلى تأييد من الله ـ تعالى ـ لعباده ، وإلى توكل عليه وحده ، وإلى عزيمة صادقة ، ومباشرة للأسباب التي توصل إليه.
ولكن هذه النصيحة الحكيمة من هذين الرجلين المؤمنين ، لم تصادف من بنى إسرائيل قلوبا واعية ، ولا آذانا صاغية بل قابلوها بالتمرد والعناد وكرروا لنبيهم موسى عليهالسلام ـ نفيهم القاطع للإقدام على دخول الأرض المقدسة مادام الجبارون فيها فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم : (يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها).
أى : قالوا غير عابئين بالنصيحة. بل معلنين العصيان والمخالفة : يا موسى إنا لن ندخل
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٣٠
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ١٢٦