إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) وبسط اليد : مدها والمراد هنا : مدها بالاعتداء.
والمعنى : لئن مددت إلى ـ يا أخى ـ يدك لتقتلني ظلما وحسدا (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) فإن القتل ـ وخصوصا بين الأخوة جريمة منكرة ، تأباها شرائع الله ـ تعالى ـ وتنفر منها العقول السليمة.
وإذا كان الأخ الظالم قابيل قد أكد تصميمه على قتل أخيه هابيل بجملة قسمية وهي (لَأَقْتُلَنَّكَ) فإن هابيل قد أكد عدم قتله له بجملة قسمية ـ أيضا وهي (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ).
فأنت ترى أن الجملة الكريمة تصور أكمل تصوير ما بين الأخيار والأشرار من تضاد.
قال الآلوسى : قيل كان هابيل أقوى من قابيل ولكنه تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله ـ تعالى ـ لأن المدافعة لم تكن جائزة في ذلك الوقت ، وفي تلك الشريعة. أو تحريا لما هو الأفضل والأكثر ثوابا وهو كونه مقتولا ، لا قاتلا» (١).
وقوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) جملة تعليلية مسوقة لبيان سبب امتناع هابيل عن بسط يده إلى أخيه قابيل.
أى : إنى أخاف الله رب العالمين أن يراني باسطا يدي إليك بالقتل. وقد أكد خوفه من الله ـ تعالى ـ بأن المؤكدة للقول ، وبذكره له ـ سبحانه ـ بلفظ الجلالة ، المشعر بأنه هو وحده صاحب السلطان ، وبوصفه له عزوجل بأنه رب العالمين ، أى : منشئ الكون ومن وما فيه ، وصاحب النعم التي لا تحصى على خلقه.
وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد لقابيل لخشية الله على أتم وجه ، وتعريض بأن القاتل لا يخاف الله.
ثم انتقل هابيل من وعظ أخيه بتطهير قلبه وبتذكيره بما تقتضيه الأخوة من بر وتسامح إلى تخويفه من عقاب الآخرة فقال : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) :
وقوله : (أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) ، أى ترجع. وتقر : من البوء وهو الرجوع واللزوم ، يقال : باء إليه : أى : رجع ، وبؤت به إليه أى رجعت.
والآية الكريمة تعليل آخر لامتناعه عن بسط يده إلى أخيه ، ولم تعطف على ما قبلها للإيذان باستقلالها في العلية ، ولدفع توهم أن تكون جزء علة لا علة تامة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١١٢