وقال الآلوسى : قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله ـ تعالى ـ كما ينبئ عنه قوله (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). وأما ما هو من حقوق العباد ـ كحقوق الأولياء من القصاص ونحوه ـ فيسقط بالتوبة وجوبه على الإمام من حيث كونه حدا ، ولا يسقط جوازه بالنظر إلى الأولياء من حيث كونه قصاصا ؛ فإنهم إن شاءوا عفوا ، وإن أحبوا استوفوا» (١).
ويرى ابن جرير وابن كثير أن توبة المحاربين قبل القدرة عليهم تسقط عنهم جميع الحدود.
فقد قال ابن جرير ـ بعد أن ساق الأقوال في ذلك ـ : «وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي ، قول من قال : توبة المحارب الممتنع بنفسه ، أو بجماعة معه ، قبل القدرة عليه ، تضع عنه تبعات الدنيا التي كانت لزمته أيام حربه وحرابته ، من حدود الله ، وغرم لازم ، وقود وقصاص ، إلا ما كان قائما في يده من أموال المسلمين والمعاهدين فيرد على أهله» (٢).
وقال ابن كثير : وقوله ـ تعالى ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أما على قول من قال إنها في أهل الشرك ، فظاهر. ـ أى : فإنهم إذا آمنوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم جميع الحدود المذكورة ـ : وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم تحتم القتل والصلب وقطع الرجل.
وهل يسقط قطع اليد؟ فيه قولان للعلماء. وظاهر الآية يقتضى سقوط الجميع ، وعليه عمل الصحابة.
ثم ساق آثارا في هذا المعنى منها : ما رواه ابن أبى حاتم عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة ـ وكان قد أفسد في الأرض وحارب ـ فكلم رجالا من قريش فكلموا عليا فيه فلم يؤمنه. فأتى سعيد بن قيس الهمدانى فخلفه في داره ثم أتى عليا فقال : يا أمير المؤمنين : أرأيت من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، فقرأ حتى بلغ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) فقال على : اكتب له أمانا ..» (٣).
وبعد ، فهذه بعض الأحكام التي تتعلق بقطاع الطريق الذين سماهم الله ـ تعالى ـ محاربين لله ولرسوله ، وسمى الفقهاء عملهم حرابة.
وقد رأينا أن الله ـ تعالى ـ قد عاقبهم بتلك العقوبات الرادعة في الدنيا. وأعد لهم العذاب
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٢٠.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٦ ص ٢٢٥.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٢.