العظيم في الآخرة ، ما داموا مستمرين في عدوانهم وتهديدهم لأمن الناس ، واستلابهم لأموالهم.
وإن المقصد من هذه العقوبات الشديدة ، أن يكف المعتدون عن عدوانهم ، وأن يحس الناس في حياتهم بالأمان والاطمئنان على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ، فإن الأمة التي ترتكب فيها الجرائم بدون خوف أو وجل ، ويفتقد أبناؤها الأمان والاطمئنان ، هذه الأمة التي هذا شأنها ، لا بد أن تضطرب كلمتها ، ويهون أمرها ، وتنتزع الثقة بين الحاكمين والمحكومين فيها ، لذا فقد أوجب الإسلام على أتباعه أن يتكاتفوا ويتعاونوا للقضاء على كل من يحاول إثارة الفتن والاضطراب بين صفوفهم ، حتى يعيشوا آمنين مطمئنين ، مؤدين لما يجب عليهم نحو دينهم ودنياهم بدون خوف أو إزعاج.
وقد قال القرطبي في هذا المعنى : «وإذا أخاف المحاربون السبيل ، وقطعوا الطريق ، وجب على الإمام قتالهم من غير أن يدعوهم ، ووجب على المسلمين التعاون على قتالهم وكفهم عن أذى المسلمين ، فإن انهزموا لم يتبع منهم مدبرا إلا أن يكون قد قتل وأخذ مالا ، فإن كان كذلك أتبع ليؤخذ ويقام عليه ما وجب لجنايته (١).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة المحاربين له ولرسوله صلىاللهعليهوسلم وأخرج منهم من تاب إليه ـ سبحانه ـ قبل القدرة عليه بعد كل ذلك وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بتقواه ، وبالتقرب إليه بالعمل الصالح فقال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣٥)
وقوله : (اتَّقُوا) من التقوى بمعنى صيانة النفس عن كل ما يبغضه الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (وَابْتَغُوا) من الابتغاء وهو الاجتهاد في طلب الشيء.
و (الْوَسِيلَةَ) على وزن فعيلة بمعنى ما يتوصل به ويتقرب به إلى الله ـ تعالى ـ ، من فعل
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٥٥.