وقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أى : والله ـ تعالى ـ غالب على أمره ، حكيم في شرائعه وتكاليفه.
قال صاحب المنار ما ملخصه. وقد كانت العرب بدوها وحضرها تفهم الكثير من وضع أسماء الله ـ تعالى ـ في الآيات بحسب المناسبة.
ومن ذلك ما نقل الأصمعى أنه قال : كنت أقرأ سورة المائدة ، ومعى أعرابى ، فقرأت هذه الآية فقلت و (اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سهوا فقال الأعرابى كلام من هذا؟ فقلت : كلام الله. قال : أعد فأعدت و (اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم تنبهت فقلت : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فقال : الآن أصبت فقلت له. كيف عرفت؟ فقال : يا هذا (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فأمر بالقطع ، فلو غفر ورحم لما أمر بالقطع.
فقد فهم الأعرابى الأمى أن مقتضى العزة والحكمة ، غير مقتضى المغفرة والرحمة وأن الله ـ تعالى ـ يضع كل اسم موضعه من كتابه» (١).
ثم فتح ـ سبحانه ـ لعباده باب التوبة فقال ـ تعالى ـ : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ).
أى : فمن تاب إلى الله ـ تعالى ـ توبة صادقة من بعد ظلمه لنفسه بسبب إيقاعها في المعاصي التي من أكبرها السرقة وأصلح عمله بالطاعات التي تمحو السيئات (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أى : يقبل توبته ، ويغسل حوبته ، إن الله واسع المغفرة والرحمة ومن مظاهر ذلك أنه سبحانه ـ فتح لعباده باب التوبة والإنابة.
فالآية الكريمة ترغب العصاة من السراق وغيرهم في التوبة إلى الله ، وفي الرجوع إلى طاعته حتى ينالوا مغفرته ورحمته.
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على شمول قدرته ، ونفاذ إرادته بصيغة الاستفهام التقريرى فقال ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بحيث يتصرف فيهما وفي غيرهما من خلقه تصرف المالك في ملكه بدون مدافع أو منازع.
فالاستفهام هنا لتقرير العلم وتأكيده. أى إنك تعلم أيها العاقل ذلك علما. متيقنا ، فاعمل بمقتضى هذا العلم ، بأن تكون مطيعا لخالقك في كل ما أمر ونهى وبأن تدعو غيرك إلى هذه الطاعة.
وقوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) تأكيد لشمول قدرته ونفاذ إرادته ، أى : هو ـ
__________________
(١) تفسير المنار ج ٦ ص ٣٨٤