وهكذا نرى أن الشريعة الإسلامية وإن كانت قد شرعت العقوبات الشديدة لزجر العصاة والمفسدين والخائنين .. إلا أنها لا تطبق هذه العقوبات إلا على الذين يستحقونها ، وفي أضيق الحدود ، وبأدق الشروط ، عملا بقول الرسول صلىاللهعليهوسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم».
ولو أن المسلمين ساروا على هدى شريعة الله لنالوا الأمان والاطمئنان في دنياهم ، والفوز والرضا من الله ـ تعالى ـ في أخراهم.
٤ ـ كذلك أخذ أكثر الشافعية والحنابلة من قوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أن التوبة تمنع إقامة الحد.
قالوا : لأن هذه الآية قد اقترنت بقوله ـ تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) فكانت مخصصة للعموم في الأمر بالقطع ، وإلا ما اقترنت به ولأنه قد ورد في الأحاديث الصحيحة أن التوبة تجب ما قبلها ومن ذلك قول الرسول صلىاللهعليهوسلم : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ويرى الأحناف والمالكية أن التوبة لا تسقط الحد ، لأن الأمر بالقطع عام يشمل التائب وغير التائب ، والتوبة المنصوص عليها في هذه الآية هي ما يكون بعد إقامة الحد كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية.
قال ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ). إلخ. أى : من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله إن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه. فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو رد بدلها. وهذا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة : متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها.
وقد روى الدّارقطنيّ عن أبى هريرة أن رسول الله أتى بسارق قد سرق شملة فقال «ما إخاله قد سرق». فقال السارق : بلى يا رسول الله. فقال صلىاللهعليهوسلم : «اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به». فقطع فأتى به فقال : تب إلى الله ، فقال : تبت إلى الله. فقال : «تاب الله عليك» ـ أى : قبل توبتك.
وروى ابن ماجة عن ثعلبة الأنصارى : أن عمر بن سمرة جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «يا رسول الله ، إنى سرقت جملا لبنى فلان فطهرني. فأرسل إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا افتقدنا جملا لنا. فأمر به فقطعت يده وهو يقول : الحمد لله الذي طهرني منك. أردت أن تدخلي جسدي النار».
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا : يا رسول الله : إن هذه المرأة سرقتنا ، قال قومها : فنحن نفديها فقال