وعن عطاء : هو كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق. أى : أن كفر المسلم وظلمه وفسقه ليس مثل كفر الكافر وظلمه وفسقه. فإن كفر المسلم قد يحمل على جحود النعمة» (١).
وقال فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف : قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) : اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية والآيتان بعدها. فقيل في اليهود خاصة وقيل : في الكفار عامة. وقيل : الأولى في هذه الأمة والثانية في اليهود. والثالثة في النصارى والكفر إذا نسب إلى المؤمنين حمل على التشديد والتغليظ ، لا على الكفر الذي ينقل عن الملة. والكافر إذا وصف بالفسق والظلم أريد منهما العتو والتمرد في الكفر. وعن ابن عباس : من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به فهو كافر. ومن أقربه ولم يحكم به فهو ظالم فاسق» (٢).
وقال الآلوسى ما ملخصه : واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن الفاسق كافر غير مؤمن. ووجه استدلالهم بها أن كلمة (مِنْ) في قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) عامة شاملة لكل من لم يحكم بما أنزل الله فيدخل الفاسق المصدق أيضا لأنه غير حاكم وغير عامل بما أنزل الله.
وأجيب عن شبهتهم بأن الآية متروكة الظاهر فإن الحكم وإن كان شاملا لفعل القلب والجوارح لكن المراد به هنا عمل القلب وهو التصديق ولا نزاع في كفر من لم يصدق بما أنزل الله ـ تعالى» (٣).
والذي يبدو لنا أن هذه الجملة الكريمة عامة في اليهود وفي غيرهم فكل من حكم بغير ما أنزل الله ، مستهينا بحكمه ـ تعالى ـ أو منكرا له ، يعد كافرا لأن فعله هذا جحود وإنكار واستهزاء بحكم الله ومن فعل ذلك كان كافرا.
أما الذي يحكم بغير حكم الله مع إقراره بحكم الله واعترافه به ، فإنه لا يصل في عصيانه وفسقه إلى درجة الكفر.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض ما اشتملت عليه التوراة من أحكام فقال (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ).
فالآية الكريمة معطوفة على ما سبقها وهو قوله ـ تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ).
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ١ ص ٢٠٠٠
(٢) تفسير «صفوة البيان» ص ١٩٤
(٣) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ١٤٥