وقول الآخر :
فتى كملت أخلاقه غير أنه |
|
جواد ، فما يبقى من المال باقيا |
ومن الثاني هذه الآية وما يشبهها. أى : ما ينبغي لهم أن ينقموا شيئا إلا هذا ، وهذا لا يوجب لهم أن ينقموا شيئا إذا فليس هناك شيء ينقمونه ، وما دام الأمر كذلك ، فينبغي لهم أن يؤمنوا ولا يكفروا. وفيه أيضا تقريع لهم حيث قابلوا الإحسان بسوء الصنيع» (١).
ثم تابع ـ سبحانه ـ التهكم بهم ، وتعجب الناس من أفن رأيهم ، مع تذكيرهم بسوء مصيرهم فقال : ـ (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ)؟
والمشار إليه بقوله : (ذلِكَ) يعود إلى ما نقمه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله وبالكتب السماوية وقيل يعود إلى الكثرة الفاسقة من أهل الكتاب المعبر عنها بقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ). وتوحيد اسم الإشارة لكونه يشار به إلى الواحد وغيره. أو لتأويله بالمذكور ونحوه.
والخطاب لأهل الكتاب المتقدم ذكرهم وقيل للكفار مطلقا ، وقيل للمؤمنين.
والمثوبة : مصدر ميمى بمعنى الثواب الثابت على العمل ، وأكثر استعمالها في الخير.
وقد استعملت هنا بمعنى العقوبة على طريقة التهكم بهم كما في قوله ـ تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وهي منصوبة على أنها تمييز لقوله (بِشَرٍّ).
وقوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) خبر لمبتدأ محذوف أى : هو من لعنه الله : والمراد اليهود لأن الصفات التي ذكرت في الآية لا تنطبق إلا عليهم.
والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين عابوا على المؤمنين إيمانهم بالله وبما أنزله من كتب سماوية والذين قالوا لكم : ما نعلم أهل دين أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم ، ولا دينا شرا من دينكم قل لهم على سبيل التبكيت والتنبيه على ضلالهم : هل أخبركم بشر من أهل ذلك الدين عقوبة عند الله يوم القيامة؟ هو من (لَعَنَهُ اللهُ) أى أبعده من رحمته (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) بأن منع عنه رضاه (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) بأن مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وجعل منهم من عبد الطاغوت أى : من عبد كل معبود باطل من دون الله كالأصنام والأوثان وغير ذلك من المعبودات الباطلة التي اتبعوها بسبب طغيانهم وفساد نفوسهم.
فإن قيل : إن قوله ـ (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً) يفيد أن ما عابه اليهود على المؤمنين من إيمانهم بالله فيه شر. إلا أن ما عليه اليهود أشد شرا ، مع أن إيمان المؤمنين لا شر فيه ألبتة بل هو عين الخير فكيف ذلك؟.
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٢٥١ وما بعدها بتصرف يسير.