وهناك آثار تشهد بأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يحرس من بعض أصحابه فلما نزلت هذه الآية صرفهم عن حراسته.
فقد أخرج الترمذي والحاكم وابن أبى حاتم وابن جرير عن عائشة قالت : كان رسول الله يحرس ليلا حتى نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأسه من القبة فقال لهم : «أيها الناس انصرفوا لقد عصمنى الله» (١).
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) تذييل قصد به تعليل عصمته صلىاللهعليهوسلم وتثبيت قلبه أى : إن الله ـ تعالى ـ لا يهدى القوم الكافرين إلى طريق الحق بسبب عنادهم وإيثارهم الغي على الرشد. ولا يوصلهم إلى ما يريدونه من قتلك ومن القضاء على دعوتك ، بل سينصرك عليهم ويجعل العاقبة لك.
وبعد هذا التثبيت والتكريم لنبيه. أمره ـ سبحانه ـ أن يصارح أهل الكتاب بما هم عليه من باطل وأن يدعوهم إلى اتباع الحق الذي جاء به فقال ـ تعالى ـ :
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٦٨)
قال الآلوسى : أخرج ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس قال : جاء جماعة من اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمركم أن تبينوه للناس فبرئت من أحداثكم. قالوا : فإن لم تأخذ بما في أيدينا فإنا على الحق والهدى ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) الآية (٢).
والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين امتدت أيديهم إلى كتبهم بالتغيير والتبديل. قل لهم (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) يعتد به من الدين أو العلم أو المروءة
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٧٨.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٦ ص ٢٠٠