قال الفخر الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما استقصى الكلام مع اليهود ، شرع هاهنا في الكلام مع النصارى ، فحكى عن فريق منهم أنهم قالوا : إن الله هو المسيح بن مريم.
وهذا هو قول اليعقوبية ؛ لأنهم يقولون : إن مريم ولدت إلها ، ولعل معنى هذا المذهب أنهم يقولون : إن الله ـ تعالى ـ حل في ذات عيسى واتحد بذات عيسى (١).
واللام في قوله : (لَقَدْ كَفَرَ) واقعة جوابا لقسم مقدر.
والمراد بالكفر : ستر الحق وإنكاره والانغماس في الباطل والضلال.
أى : اقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذبا وزورا : إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح ابن مريم.
وقد أكد ـ سبحانه ـ كفرهم بالقسم المقدر ؛ لأنهم غالوا في إطراء عيسى وفي وضعه في غير موضعه كما غالت اليهود في الكفر به وفي وصفه بالأوصاف التي هو برىء منها.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله عيسى في الرد على من جعلوه إلها فقال : (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ).
أى : وقال المسيح مكذبا لمن وصفه بالألوهية : يا بنى إسرائيل اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، فهو ربي الذي خلقني وتعهدنى بالتربية والرعاية ، وهو ربكم ـ أيضا ـ الذي أنشأكم وأوجدكم ورزقكم من الطيبات.
والواو في قوله : (وَقالَ الْمَسِيحُ) للحال. والجملة حالية من الواو التي هي فاعل (قالُوا).
أى : قالوا ما قالوا ، والحال أن عيسى قد تبرأ مما قالوه. وقال لبنى إسرائيل حين إرساله إليهم : اعبدوا الله ربي وربكم.
وقوله : (رَبِّي وَرَبَّكُمْ) تنبيه إلى ما هو الحجة القاطعة على فساد قولهم المذكور ؛ لأن عيسى لم يفرق بينه وبين غيره في العبودية لله ـ تعالى ـ لأنه ـ سبحانه ـ هو الخالق له ولهم ولكل شيء.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما قاله عيسى محذرا من الإشراك فقال : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).
وهذه الجملة تعليل للأمر بعبادة الله وحده. والضمير المقترن بإن ضمير الشأن والمراد بتحريم الجنة على المشرك : منعه من دخولها ، لإشراكه مع الله آلهة أخرى.
والمأوى : المكان الذي يأوى إليه الإنسان. أى يرجع إليه ويستقر فيه.
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٥٩