أى : قال المسيح لبنى إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، لأنه أى الحال والشأن (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) شيئا في عبادته ـ سبحانه ـ (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) أى : منعه من دخولها ، بسبب شركه وكفره ، وجعل (مَأْواهُ النَّارُ) أى : جعل مستقره ومكانه النار بدل الجنة (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ينصرونهم بأن ينقذوهم مما هم فيه من بلاء وشقاء مقيم.
فالجملة الكريمة تحذير شديد من الإشراك بالله ، وبيان لما سيؤول إليه حال المشركين من تعاسة وشقاء.
وجمع ـ سبحانه ـ بين العقوبة السلبية للمشركين وهي حرمانهم من الجنة وبين العقوبة الإيجابية وهي استقرارهم في النار ، للإشارة إلى عظيم جرمهم حيث أشركوا بالله ، وتقولوا عليه الأقاويل الباطلة التي تدل على جهلهم وسفاهتهم.
والمراد بالظالمين : المشركون الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم فتكون ال للعهد.
ويجوز أن يراد بهم كل ظالم بسبب إشراكه وكفره ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا فتكون أل للجنس.
وقال ـ سبحانه ـ (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) بصيغة الجمع لكلمة «أنصار» ، وبالتأكيد بمن المفيدة للاستغراق ، للإيذان بأنه إذا كان الظالمون لن يستطيع الأنصار مجتمعين أن ينصروهم فمن باب أولى لن يستطيع واحد أن ينصرهم.
أى : مالهم من أحد كائنا من كان أن ينقذهم من عقاب الله بأى طريقة من الطرق.
وهذه الجملة الكريمة يحتمل أن تكون من كلام عيسى الذي حكاه الله عنه ـ كما سبق أن ذكرنا ـ ويحتمل أن تكون من كلام الله ـ تعالى ـ وقد ساقها ـ سبحانه ـ لتأكيد ما قاله المسيح من أمره لقومه بعبادة الله وحده ولتقرير مضمونه المفيد للتحذير من الإشراك.
وقوله ـ تعالى ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) بيان لما قالته طائفة أخرى من طوائف النصارى الذين يتفرقون في العقائد والنحل ، ويتجمعون على الكفر والضلال ، فهم شيع شتى ، وفرق متنابذة ، كل شيعة منهم تكفر الأخرى وتعارضها في معتقداتها.
قال الفخر الرازي ما ملخصه : في تفسير قول النصارى (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) طريقان :
الأول : أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة. والذي يؤكد ذلك قوله ـ تعالى ـ للمسيح (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) فقوله : (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) أى : أحد ثلاثة آلهة. أو واحد من ثلاثة آلهة.
والطريق الثاني : أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة