وقوله : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) ذم لهم على موالاتهم للمشركين وبيان لما حاق بهم من سوء المصير بسبب مناصرتهم لأعداء الله ، ومحاربتهم لأوليائه.
أى : لبئس ما قدمت لهم أنفسهم من أقوال كاذبة وأعمال قبيحة وأفعال منكرة استحقوا بسببها سخط الله عليهم ، ولعنه إياهم كما استحقوا أيضا بسببها الخلود الدائم في العذاب المهين.
قال الجمل : و (ما) في قوله (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ) هي الفاعل ، وقوله : (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) هذه الجملة معطوفة على ما قبلها فهي من جملة المخصوص بالذم.
فالتقدير : سخط الله عليهم وخلدهم في العذاب (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الدوافع التي حملت هؤلاء الفاسقين من أهل الكتاب على ولاية الكافرين ومصادقتهم ومعاونتهم على حرب المسلمين فقال :
(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ ، وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
فالضمير في قوله (كانُوا) يعود إلى أولئك الكثيرين من أهل الكتاب الذين حملهم حقدهم وبغضهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأتباعه على موالاة الكافرين.
والمراد ـ هنا ـ بالنبي : موسى ـ عليهالسلام ـ وبما أنزل إليه التوراة ، لأن الحديث مع الكافرين من بنى إسرائيل الذين يزعمون أنهم من أتباع موسى.
وقيل المراد به النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ والمراد بما أنزل إليه : القرآن.
أى : ولو كان هؤلاء اليهود يؤمنون بالله إيمانا حقا ، ويؤمنون بنبيهم موسى إيمانا صادقا ويؤمنون بالتوراة التي أنزلها الله عليه إيمانا سليما ، لو كانوا مؤمنين هذا الإيمان الصادق ، لكفوا عن اتخاذ الكافرين أولياء وأصفياء ، لأن تحريم موالاة المشركين متأكدة في التوراة وفي كل شريعة أنزلها الله على نبي من أنبيائه.
وقوله : (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) استدراك لبيان حالهم ، ولبيان سبب موالاتهم للكافرين وعداوتهم للمسلمين.
أى : ولكن كثيرا من هؤلاء اليهود فاسقون ، أى : خارجون عن الدين الحق إلى الأديان الباطلة ، فدفعهم هذا الفسق وما صاحبه من حقد وعناد على موالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين.
وقد كرر سبحانه وصف الكثيرين منهم بالصفات الذميمة ، إنصافا للقلة التي آمنت وتمييزا لها عن تلك الكثرة الكافرة الفاسقة ..
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٦ ص ٦٥١