كله يدل على صفاء نفوسهم وطهارة قلوبهم ومسارعتهم إلى قبول الحق عند ظهوره بدون تردد أو تقاعس :
وقولهم ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا) يدل على قوة إيمانهم ، وصدق يقينهم ، لأنهم مع هذا الإقبال الشديد على الدين الحق والمسارعة إلى العمل الصالح ، لم يجزموا بحسن عاقبتهم ، بل التمسوا من الله ـ تعالى ـ الطمع في مغفرته ، وفي أن يجعلهم مع القوم الصالحين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وهكذا المؤمن الصادق يستصغر عمله بجانب فضل الله ونعمه ، ويقف من جزائه وثوابه ـ سبحانه ـ موقف الخوف والرجاء.
ولقد كان ما أعده الله ـ تعالى ـ لهؤلاء الأصفياء من ثواب شيئا عظيما ، عبر عنه ـ سبحانه ـ بقوله : (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ؛ وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ).
أى : فكافأهم الله ـ تعالى ـ بسبب أقوالهم الطيبة الدالة على إيمانهم وإخلاصهم ، جنات تجرى من تحت بساتينها وأشجارها الأنهار (خالِدِينَ فِيها) أى : باقين في تلك الجنات بقاء لا موت معه ، (وَذلِكَ) العطاء الجزيل الذي منحه الله لهم (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أى : المؤمنين المخلصين في أقوالهم وأعمالهم.
والمراد بقوله (بِما قالُوا) : ما سبق أن حكاه عنهم ـ سبحانه ـ من قولهم : (رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ورتب الثواب المذكور على القول : لأنه قد سبق وصفهم بما يدل على إخلاصهم ، وعلى صدق يقينهم ، والقول إذا اقترن بذلك فهو الإيمان.
قال الآلوسى : قوله. (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا) أى بسبب قولهم أو بالذي قالوه عن اعتقاد ، فإن القول إذا لم يقيد بالخلو عن الاعتقاد يكون المراد به المقارن له ، كما إذا قيل : هذا قول فلان ، لأن القول إنما يصدر عن صاحبه لإفادة الاعتقاد.
وقيل : إن القول هنا مجاز عن الرأى والاعتقاد والمذهب كما يقال : هذا قول الامام الأعظم أى : هذا مذهبه واعتقاده. وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بهذا القول قولهم : (رَبَّنا آمَنَّا). وقولهم (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ) (١) وقد بينت هذه الآية الكريمة أنه ـ سبحانه ـ قد أجابهم إلى ما طلبوا ، بل أكبر مما طلبوا ، فقد كانوا يطمعون في أن يكونوا مع القوم الصالحين ، وأن يكتبهم مع الشاهدين. فأعطاهم ـ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٦