والمراد بقوله : (لا تُحَرِّمُوا) : لا تعتقدوا تحريم ما أحل الله لكم من طيبات بأن تأخذوا على أنفسكم عهدا بعدم تناولها أو الانتفاع بها.
فالنهي عن التحريم هنا ليس منصبا على الترك المجرد. فقد يترك الإنسان بعض الطيبات لأسباب تتعلق بالمرض أو غيره. وإنما هو منصب على اعتقاد أن هذه الطيبات يجب تركها ويأخذ الشخص على نفسه عهدا بذلك.
والمراد بالطيبات : الأشياء المستلذة المستطابة المحللة التي تقوى بدن الإنسان وتعينه على الجهاد في سبيل الله ، من طعام شهى ، وشراب سائغ. وملبس جميل.
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا ، لا تحرموا على أنفسكم شيئا من الطيبات التي أحلها الله لكم ، فإنه ـ سبحانه ـ ما أحلها لكم إلا لما فيها من منافع وفوائد تعينكم على شئون دينكم ودنياكم.
وقوله : (وَلا تَعْتَدُوا) تأكيد للنهى السابق. والتعدي معناه : تجاوز الحدود التي شرعها الله ـ تعالى ـ عن طريق الإسراف أو عن طريق التقتير. أو عن طريق الاعتداء على حق الغير أو عن أى طريق يخالف ما شرعه الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) في موضع التعليل لما قبله.
أى : لا تحرموا ـ أيها المؤمنون ـ على أنفسكم ما أحله الله لكم من طيبات ولا تتجاوزوا حدوده بالإسراف. أو بالتقتير أو بتناول ما حرمه عليكم فإنه ـ سبحانه ـ لا يحب الذين يتجاوزون حدود شريعته ، وسنن فطرته. وهدى نبيه صلىاللهعليهوسلم.
وبعد أن نهى ـ سبحانه ـ عن تحريم الطيبات أمر بتناولها والتمتع بها فقال : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
والأمر في قوله (وَكُلُوا) للإباحة. وقيل إنه للندب. ويرى بعضهم أنه للوجوب لأن من الواجب على المؤمن ألا يترك أمرا أباحه الله ـ تعالى ـ تركا مطلقا لأن هذا الترك يكون من باب تحريم ما أحله الله.
أى : وكلوا ـ أيها المؤمنون ـ من الرزق الحلال الطيب الذي رزقكم الله إياه ، وتفضل عليكم به (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه ، وتلتزموا في مأكلكم ومشربكم وملبسكم وسائر شئونكم حدود شريعته ، وتوجيهات رسوله صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بالأكل هنا التمتع بألوان الطيبات التي أحلها الله ، فيدخل فيه الشرب مما كان حلالا ، وكذلك يدخل فيه كل ما أباحه ـ سبحانه ـ من متعة طيبة تميل إليها النفوس وتشتهيها.