ورحم الله الحسن البصري فقد قال : إن الله ـ تعالى ـ أدب عباده فأحسن أدبهم فقال ـ تعالى ـ (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) ما عاب قوما ما وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوا ، ولا عذر قوما زواها عنهم فعصوه» (١).
فعلى المؤمن أن يجتنب تحريم الطيبات التي أحلها الله له ، وأن يتمتع بها بدون إسراف أو تقتير ، وأن يداوم على شكر الله على نعمه وآلائه ، وأن يجعل جانبا من هذه النعم للإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
قال الفخر الرازي : لم يقل ـ سبحانه ـ : وكلوا ما رزقكم الله ، ولكن قال : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) وكلمة «من» للتبعيض. فكأنه قال : اقتصروا في الأكل على البعض واصرفوا البقية إلى الصدقات والخيرات لأنه إرشاد إلى ترك الإسراف كما قال : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ كفارة اليمين ، وأمر المؤمنين بحفظ أيمانهم فلا يكثروا منها ، فقال ـ تعالى ـ
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٨٩)
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) في القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم : قالوا يا رسول الله. كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ قوله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٧٢.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٧٢.