والاستقامة. قال ـ تعالى ـ (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ، وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).
وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت للمؤمنين ما يجب عليهم إذا ما حنثوا في أيمانهم ، وحضتهم على حفظ أيمانهم ، لكي ينالوا من الله ـ تعالى ـ الرضا والفلاح.
وبعد أن نهى الله المؤمنين عن تحريم ما أحله لهم ، وأمرهم بأن يتمتعوا بما رزقهم من خير بدون إسراف أو تقتير ، وبين لهم حكم ما عقدوه من أيمان بعد كل ذلك وجه ـ سبحانه ـ نداء ثانيا إليهم بين لهم فيه مضار الخمر وأشباهها من الرذائل ، وأمرهم باجتنابها ، فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٩٢)
قال الفخر الرازي : اعلم أن هذا النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع ـ فقد أمر الله المؤمنين بعدم تحريم الطيبات ثم بين حكم الأيمان المنعقدة.
ووجه اتصال هذه الآيات بما قبلها أنه ـ تعالى ـ قال فيما تقدم : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) إلى قوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً). ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر ، لا جرم أنه ـ تعالى ـ بين أنهما غير داخلين في المحلات بل في المحرمات (٢).
والخمر ـ بمعنى المصدر ـ هو الستر ، ولذلك يقال لما يستر به الرأس عند النساء خمار. والخمر ـ بمعنى الاسم ـ ما يخمر العقل ويستره ، ويمنعه من التقدير السليم :
__________________
(١) تفسير المنار ج ٧ ص ٤٠ ، ٤٨
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٧٩