على ما يرونه ، وإن خرج نهاني ربي أمسكوا عنه ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية حتى يخرج الآمر أو الناهي.
وقد نهى الله ـ تعالى ـ في أوائل هذه السورة عن الاستقسام بالأزلام فقال (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) (١).
وقوله : (رِجْسٌ) أى قذر تأباه النفوس الكريمة والعقول السليمة لقذارته ونجاسته.
قال الفخر الرازي : والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل. يقال : رجس الرجل رجسا إذا عمل عملا قبيحا : وأصله من الرجس ـ بفتح الراء ـ وهو شدة الصوت. يقال : سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد. فكأن الرجس هو العمل الذي يكون قوى الدرجة كامل الرتبة في القبح» (٢).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها : ما جاء في صحيح مسلم عن سعد بن أبى وقاص أنه قال : نزلت فىّ آيات من القرآن ، وفيه قال. وأتيت على نفر من الأنصار فقالوا : تعال نطعمك ونسقيك خمرا وذلك قبل أن تحرم الخمر ـ قال فأتيتهم في حش ـ أى بستان ـ فإذا رأس جزور مشوى عندهم وزق من خمر قال : فأكلت وشربت معهم. قال : فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم فقلت : المهاجرون خير من الأنصار. قال. فأخذ رجل ـ من الأنصار ـ لحى جمل فضربني به فجرح أنفى ، فأتيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم فأخبرته فأنزل الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) .. الآيات (٣).
ومنها ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار. شربوا حتى ثملوا ، فعبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا ، جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول : فعل هذا بي أخى فلان ـ وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ـ والله لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا ، حتى وقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ). إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٤).
والمعنى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إيمانا حقا. إنما تعاطى (الْخَمْرُ) أى : الشراب الذي يخامر العقل ويخالطه ويمنعه من التفكير السليم (وَالْمَيْسِرُ) أى القمار الذي عن طريقه يكون تمليك
__________________
(١) الآية ٣ من سورة المائدة.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٧٩
(٣) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٢٨٦
(٤) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ٣٤