وقد شاهدنا كثيرا ممن يلعب بالشطرنج يجرى بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن ذكر الله تعالى ما ينفر منه الفيل وتكبو له الفرس ويحار لشناعته الفهم وتسود رقعة الأعمال (١).
وجمع ـ سبحانه ـ الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام في الآية الأولى ثم أفردهما بالذكر في هذه الآية ، لأن الخطاب للمؤمنين ، والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر ، وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة ، أى أن مجيء الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر إنما هو لتقبيح تعاطيهما ، وتأكيد حرمتهما ، حتى لكأن متعاطى الخمر والميسر يفعل أفعال أهل الجاهلية ، وأهل الشرك بالله ـ تعالى ـ وكأنه ـ كما يقول الزمخشري ـ : لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب ، وبين من شرب خمرا أو قامر.
وخص الصلاة بالذكر مع أنها لون من ألوان ذكر الله ، تعظيما لشأنها ، كما هو الحال في ذكر الخاص بعد العام ، وإشعارا بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان ، لما أنها عماد الدين والفارق بين المسلم وبين الكافر.
والاستفهام في قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) لإنكار استمرارهم على الخمر والميسر بعد أن بين لهم ما بين من مضارهما الدنيوية والدينية ولحضهم على ترك تعاطيهما فورا ، أى : انتهوا سريعا عنهما فقد بينت لكم ما يدعو إلى ذلك.
ولقد لبى الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ هذا الأمر فقالوا : «انتهينا يا رب ؛ انتهينا يا رب» وألقوا ما عندهم من خمر في طرقات المدينة.
ثم أكد ـ سبحانه ـ وجوب هذا الانتهاء بأن أمر بطاعته وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا).
أى : اجتنبوا ـ أيها المؤمنون ـ هذه الرذائل وانتهوا عنها فقد بينت لكم مضارها ، (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في جميع ما أمرا به ونهيا عنه (وَاحْذَرُوا) مخالفتهما ، لأن مخالفة أوامرهما تؤدى إلى الحسرة والخسران.
وأمر ـ سبحانه ـ بطاعته وبطاعته رسوله مع أن طاعة رسوله طاعة له ـ سبحانه ـ لتأكيد الدعوة إلى هذه الطاعة ، ولتكريم الرسول صلىاللهعليهوسلم حيث جعلت طاعته مجاورة لطاعة الله ـ تعالى ـ.
وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) تأكيد للتحذير السابق وتنبيه إلى سوء عاقبة العاصين لأمر الله ورسوله.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ١٦