(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٩٤)
قال الآلوسى : هذه الآية ـ كما خرج ابن أبى حاتم عن مقاتل بن حيان ـ نزلت في عمرة الحديبية ، حيث ابتلاهم الله ـ تعالى ـ بالصيد وهم محرمون ، فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم ، وكانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم فهموا بأخذها فنزلت (١).
وقوله : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ) أى : ليختبرنكم وليمتحننكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان. ولفظ الصيد في قوله : (مِنَ الصَّيْدِ) مصدر بمعنى المصيد أى : ما يصطادونه.
والمعنى : يا أيها الذين آمنوا ليختبرن الله ـ سبحانه ـ إيمانكم ومبلغ قوته بأن يرسل إليكم وأنتم محرمون شيئا من الصيد الذي تحبونه ، بحيث يكون في متناول أيديكم ورماحكم.
وقوله : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ) جواب قسم محذوف والتقدير : والله ليعاملنكم سبحانه معاملة المختبر ليتبين المطيع من العاصي.
وأكد ـ سبحانه ـ هذا الخبر بلام القسم ونون التوكيد للإشارة إلى أهمية هذا الاختبار حتى يسارعوا إلى طاعته ـ سبحانه وامتثال أمره.
والتنوين في قوله (بِشَيْءٍ) للتقليل والتحقير. وإنما امتحنوا بهذا الشيء الصغير ، تنبيها إلى أن من لم يثبت ويعصم نفسه عن ارتكاب هذه الأشياء الصغيرة فإنه لن يثبت أمام التكاليف الكبيرة.
ويمكن أن يقال ، إن التنوين هنا للتعظيم باعتبار الجزاء الأليم المترتب على الاعتداء على الصيد في حال الإحرام.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما معنى التقليل والتصغير في قوله : بشيء من الصيد؟
قلت : قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين ـ كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال ـ وأنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك ، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده فكيف شأنهم عند ما هو أشد منه» (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٢١.
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٧٧.