والثالث : أنه منصوب بفعل مقدر يدل عليه السياق. أى : شرع الله ذلك. وهذا أقواها ، لتعلق لام العلة به. وقوله (لِتَعْلَمُوا) منصوب بإضمار أن بعد لام كي. وقوله : (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) معطوف على ما قبله وهو (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (١).
ثم رهب الله ـ تعالى ـ عباده من عقابه ؛ ورغبهم في ثوابه فقال : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أى : اعلموا ـ أيها الناس ـ أن الله شديد العقاب لمن انتهك حرماته ، وتجاوز حدوده ، وأنه ـ سبحانه ـ واسع المغفرة والرحمة لمن أطاعه وتاب إليه توبة صادقة.
وفي تصدير الآية الكريمة بفعل الأمر (اعْلَمُوا) تنبيه شديد إلى أهمية ما سيلقى عليهم من أمر أو نهى ، حتى يستقر في قلوبهم ، ويرسخ في نفوسهم ، فيسهل عليهم تنفيذه.
وجمع ـ سبحانه ـ بين الترهيب والترغيب ، حتى يكون المؤمن بين الرجاء والخوف ، فلا يقنط من رحمة الله ولا يجترئ على ارتكاب ما يغضبه ـ سبحانه ـ.
وبعد هذا الترغيب والترهيب بين ـ سبحانه ـ وظيفة رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ).
وأصل البلاغ ـ كما يقول القرطبي ـ البلوغ ، وهو الوصول. يقال : بلغ يبلغ بلوغا وأبلغه إبلاغا. وبلغه تبليغا ، ومنه البلاغة ، لأنها إيصال المعنى إلى النفس في أحسن صورة من اللفظ» (٢).
أى : ليس على رسولنا ـ أيها الناس ـ إلا تبليغ ما أمرناه بتبليغه إليكم وتوصيل ما كلفناه بتوصيله لكم ، وهو لم يقصر في ذلك ، ولم يأل جهدا في نصحكم وإرشادكم فأطيعوه لتسعدوا. واعلموا أن الله ـ تعالى ـ يعلم ما تظهرون وما تخفون من خير أو شر ، وسيجازيكم بما تستحقون يوم القيامة.
فالآية الكريمة تأكيد لما اشتملت عليه سابقتها من ترغيب وترهيب ، ومن تبشير وإنذار ، وتصريح بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم عليه تبليغ ما كلفه الله بتبليغه إلى الناس ، وليس عليه بعد ذلك هدايتهم أو ضلالهم ، وإنما الله وحده هو الذي بيده ذلك ، وهو الذي بيده حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ١ ص ٥٢٨.
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٢٧.