الناس فقال. (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (١) وقال ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (٢). وفي الحديث : أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم.
هذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها ، ويقاس عليها ما سواها ، وليس النهى فيها واحدا ، بل فيها ما تشتد كراهيته ومنها ما يخفف ، ومنها ما يحرم. ومنها ما يكون محل اجتهاد.
والنهى في الآية مقيد بما لا تدعو إليه الحاجة من الأسئلة ؛ لأن الأمر الذي تدعو إليه الحاجة في أمور الدين قد أذن الله بالسؤال عنه فقال : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣).
وفي الحديث : «قاتلهم الله!! هلا سألوا إذا لم يعلموا ، فإنما شفاء الجهل بالسؤال» (٤).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض الأوهام والخرافات التي كان أهل الجاهلية يتمسكون بها ، ويعتبرونها من العادات الدينية الراسخة في نفوسهم ، مع أنها لا أصل لها ، وإنما هم الذين ابتدعوها ونسبوها إلى دين الله بدون دليل أو برهان فقال ـ تعالى :
(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١٠٤)
قال الفخر الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما منع الناس من البحث عن أمور ما كلفوا بالبحث عنها ، كذلك منعهم عن التزام أمور ما كلفوا التزامها. ولما كان الكفار يحرمون على أنفسهم الانتفاع بهذه الحيوانات ـ وإن كانوا في غاية الاحتياج إلى الانتفاع بها ـ بين تعالى ـ أن ذلك باطل فقال : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) (٥)
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٤
(٢) سورة الزخرف. الآية ٥٨
(٣) سورة الأنبياء الآية ٧
(٤) تفسير القاسمى وحاشيته ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ٦ ص ٢١٦٦ وما بعدها
(٥) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٠٩