وقال بعض العلماء : قوله (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) أى : من ورثة الميت الذين استحق من بينهم الأوليان أى : الأقربان إلى الميت ، الوارثان له. الأحقان بالشهادة ، أى : اليمين. فقوله (الْأَوْلَيانِ) فاعل (اسْتَحَقَ).
ومفعول (اسْتَحَقَ) محذوف ، قدره بعضهم «وصيتهما» وقدره ابن عطية «ما لهم وتركتهم» وقدره الزمخشري. أن يجردوهما للقيام بالشهادة لأنها حقهما ويظهروا بهما كذب الكاذبين.
وقرئ (اسْتَحَقَ) على البناء للمفعول. أى من الذين استحق عليهم الإثم أى «جنى عليهم» ، وهم أهل الميت وعشريته. وعليه فقوله : (الْأَوْلَيانِ) هو بدل من الضمير في (يَقُومانِ) أو من (فَآخَرانِ) (١).
وقوله : (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) بيان لكيفية اليمين التي يحلفها هذان الأوليان.
أى : فيحلف بالله هذان الأوليان ـ أى الأقربان إلى الميت ـ قائلين (لَشَهادَتُنا) أى : ليميننا (أَحَقُ) بالقبول (مِنْ شَهادَتِهِما) أى : من يمينهما (وَمَا اعْتَدَيْنا) أى : وما تجاوزنا الحق في يميننا وفيما نسبناه إليهما من خيانة (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أى إنا إذا اعتدينا وقلنا فيهما خلاف الحق لنكونن في زمرة الظالمين لأنفسهم المستحقين لسخط الله وعقابه.
قال الآلوسى : وقوله (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) معطوف على (يَقُومانِ) في قوله : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) والسببية ظاهرة وقوله : (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) جواب القسم. والمراد بالشهادة هنا ـ عند الكثيرين ـ اليمين كما في قوله ـ تعالى ـ (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ).
وصيغة التفضيل (أَحَقُ) إنما هي لإمكان قبول يمينهما في الجملة باعتبار صدقهما في ادعاء تملكهما لما ظهر في أيديهما» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ وجه الحكمة والمصلحة فيما شرعه مما تقدم تفصيله فقال (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ).
فاسم الإشارة (ذلِكَ) يعود إلى ما شرعه الله من أحكام تتعلق بالوصية التي تكون في السفر ويموت صاحبها.
أى : ذلك الحكم المذكور (أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) أى : أقرب إلى أن يؤدى
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٥١ ـ بتصريف وتلخيص
(٢) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٦٦