وجعلتك نبيا داعيا إلى الله في صغرك وكبرك. فأنطقتك في المهد صغيرا : فشهدت ببراءة أمك من كل عيب. واعترفت لي بالعبودية. وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوتك إلى عبادتي ولهذا قال : (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) أى : تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك. وضمّن (تُكَلِّمُ) معنى تدعو ، لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب» (١).
وقوله : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ على عيسى.
والمراد بالكتاب : الكتابة. أى أن عيسى ـ عليهالسلام ـ لم يكن أميا بل كان قارئا وكاتبا وقيل المراد به ما سبقه من كتب النبيين كزبور داود ، وصحف إبراهيم ، وأخبار الأنبياء الذين جاءوا من قبله.
والمراد بالحكمة : الفهم العميق للعلوم مع العمل بما فهمه وإرشاد الغير إليه.
أى : واذكر وقت أن علمتك الكتابة حتى تستطيع أن تتحدى من يعرفونها من قومك. ووقت أن علمتك (الْحِكْمَةَ) بحيث تفهم أسرار العلوم فهما سليما تفوق به غيرك ، كما علمتك أحكام الكتاب الذي أنزلته على أخيك موسى وهو التوراة وأحكام الكتاب الذي أنزلته عليك وهو الإنجيل.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعض معجزات عيسى ، بعد أن بين بعض ما منحه من علم ومعرفة ، فقال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) أى : واذكر وقت أن وفقتك لأن تخلق أى تصور من الطين صورة مماثلة لهيئة الطير (فَتَنْفُخُ فِيها) أى في تلك الهيئة المصورة (فَتَكُونُ) أى فتصير تلك الهيئة المصورة (طَيْراً بِإِذْنِي) أى : تصير كذلك بقدرتي وإرادتى وأمرى.
ثم قال ـ تعالى : (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) وهو الذي يولد أعمى ؛ وتبرئ كذلك (الْأَبْرَصَ) وهو المريض بهذا المرض العضال (بِإِذْنِي).
وقوله : (وَتُبْرِئُ) معطوف على (تَخْلُقُ).
وقوله : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) معطوف على قوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ).
أى : واذكر وقت أن جعلت من معجزاتك أن تخرج الموتى من القبور أحياء ينطقون ويتحركون. وكل ذلك بإذنى ومشيئتى وإرادتى.
وقد ذكر المفسرون أن إبراء عيسى للأكمه والأبرص وإحياءه للموتى كان عن طريق الدعاء ،
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١١٥