وقد عدد عليه من النعم سبعا : (إِذْ أَيَّدْتُكَ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ وَإِذْ تَخْلُقُ) و (إِذْ تَبَرَّأَ). (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى وَإِذْ كَفَفْتُ وَإِذْ أَوْحَيْتُ) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض ما دار بين عيسى وبين الحواريين فقال : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ).
«المائدة» الخوان إذا كان عليه الطعام من ماد يميد ، إذا تحرك. فكأن المائدة تتحرك بما عليها. وقال أبو عبيدة : سميت «مائدة» لأنها ميد بها صاحبها. أى : أعطيها وتفضل عليه بها. والخوان : ما يؤكل عليه الطعام.
ويرى الأخفش وغيره أن المائدة هي الطعام نفسه ، مأخوذة من «مادة» إذا أفضل.
و «إذ» في قوله (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) متعلق بمحذوف تقديره : اذكر وقت قول الحواريين يا عيسى ابن مريم.
وقد ذكروه باسمه ونسبوه إلى أمه ـ كما حكى القرآن عنهم ـ لئلا يتوهم أنهم اعتقدوا ألوهيته أو ولديته وقوله : (هَلْ يَسْتَطِيعُ ـ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) فيه قراءتان سبعيتان :
الأولى : (يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بالياء ـ على أنه فعل وفاعل. وقوله (أَنْ يُنَزِّلَ) المفعول. والاستفهام على هذه القراءة محمول على المجاز ، لأن الحواريين كانوا مؤمنين ، ولا يعقل من مؤمن أن يشك في قدرة الله.
ومن تخريجاتهم في معنى هذه القراءة أن قوله (يَسْتَطِيعُ) بمعنى «يطيع» والسين زائدة. كاستجاب وأجاب.
أى : أن معنى الجملة الكريمة : هل يطيعك ـ ربك يا عيسى إن سألته أن ينزل علينا مائدة من السماء.
وسنفصل القول في تخريج هذه القراءة ، وفي اختلاف المفسرين في إيمان الحواريين بعد انتهائنا من تفسير هذه الآيات الكريمة.
أما القراءة الثانية : فهي «هل تستطيع ربك» بالتاء وبفتح الباء في «ربك» والمعنى : هل تستطيع يا عيسى أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء. فقوله «ربك» منصوب على التعظيم بفعل محذوف يقدر على حسب المقام وهذه القراءة لا إشكال فيها ، لأن الاستطاعة فيها متجهة إلى عيسى. أى : أتستطيع يا عيسى سؤال ربك إنزال المائدة أم لا تستطيع؟
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢٨