قال القرطبي : قراءة الكسائي وعلى وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد «هل تستطيع» بالتاء «ربك» بالنصب وقرأ الباقون بالياء «هل يستطيع» «ربك» بالرفع.
والمعنى على قراءة الكسائي ـ بالتاء : هل تستطيع أن تسأل ربك ..
قالت عائشة : كان القوم أعلم بالله ـ تعالى ـ من أن يقولوا «هل يستطيع ربك» وقال معاذ : أقرأنا النبي صلىاللهعليهوسلم : هل تستطيع ربك قال معاذ : وسمعت النبي صلىاللهعليهوسلم مرارا يقرأ بالتاء» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حكاية لما رد به عيسى على الحواريين فيما طلبوه من إنزال المائدة :
أى قال لهم عيسى : اتقوا الله وقفوا عند حدوده ، واملئوا قلوبكم هيبة وخشية منه ، ولا تطلبوا أمثال هذه المطالب إن كنتم مؤمنين حق الإيمان ، فإن المؤمن الصادق في إيمانه يبتعد عن أمثال هذه المطالب التي قد تؤدى إلى فتنته.
ثم حكى القرآن ما رد به الحواريون على عيسى فقال : (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ).
أى : قال الحواريون لعيسى إننا نريد نزول هذه المائدة علينا من السماء لأسباب : أولها : أننا نرغب في الأكل منها لننال البركة ، ولأننا في حاجة إلى الطعام بعد أن ضيق علينا أعداؤك وأعداؤنا الذين لم يؤمنوا برسالتك.
وثانيها : أننا نرغب في نزولها لكي تزداد قلوبنا اطمئنانا إلى أنك صادق فيما تبلغه عن ربك ، فإن انضمام علم المشاهدة إلى العلم الاستدلالي ، مما يؤدى إلى رسوخ الإيمان ، وقوة اليقين.
وثالثها : أننا نرغب في نزولها لكي نعلم أن قد صدقتنا في دعوى النبوة ، وفي جميع ما تخبرنا به من مأمورات ومنهيات ، لأن نزولها من السماء يجعلها تخالف ما جئتنا به من معجزات أرضية ، وفي ذلك ما فيه من الدلالة على صدقك في نبوتك.
ورابع هذه الأسباب : أننا نرغب في نزولها لكي نكون من الشاهدين على هذه المعجزة عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل ، ليزداد الذين آمنوا منهم إيمانا ، ويؤمن الذي عنده استعداد للإيمان.
وبذلك نرى ان الحواريين قد بينوا لعيسى ـ كما حكى القرآن عنهم ـ أنهم لا يريدون نزول المائدة من السماء لأنهم يشكون في قدرة الله ، أو في نبوة عيسى أو أن مقصدهم من هذا الطلب
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٦٤. بتصرف وتلخيص