ويرى المالكية أن الجارح مادام قد عاد بالصيد ولو مأكولا منه ، فإنه يجوز الأكل منه ، لأنه بعودته بما صاده قد أمسكه على صاحبه.
أما الأحناف فقالوا : إن عاد بأكثره جاز الأكل منه ، لأنه في هذه الحالة يكون قد أمسك لصاحبه ، وإن عاد بأقله لا يجوز الأكل منه ، لأنه يكون قد أمسك لنفسه. وهذه المسألة بأدلتها الموسعة مبسوطة في كتب الفقه وفي بعض كتب التفسير (١).
٤ ـ استدل بعض العلماء بقوله ـ تعالى ـ (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) على وجوب التسمية عند إرسال الجوارح للصيد ، ولقوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) (٢).
ويرى بعضهم أن الأمر للندب ، ويرى فريق ثالث أن التسمية إن تركت عمدا لا يحل الأكل من الصيد.
قال القرطبي : وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الإرسال لقوله صلىاللهعليهوسلم لعدي بن حاتم : «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك» فلو لم توجد التسمية على أى وجه كان لم يؤكل الصيد. وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث.
وذهب جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمدا ، وحملوا الأمر بالتسمية على الندب.
وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمدا أو سهوا فقال لا تؤكل مع العمد ، وتؤكل مع السهو ، وهو قول فقهاء الأمصار ، وأحد قولي الشافعى» (٣).
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا آخر من مظاهر نعمه على عباده ، ورحمته بهم وتيسيره عليهم في أمور دينهم ودنياهم فقال :
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ٦ ص ٦٩. وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢١.
(٣) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٦٨.